Bidang

Bayanat (1) Hadits (1) Lughah (1) Syariah (6) Tafsir (1) Umum (4)

Minggu, 04 Mei 2014

محمد رسول الله لا رئيس الدولة

بقلم: محمد توفيق
إن السياسة شأنها كشأن الأمور التي تختلف فيها الأنظار ويحتدم حولها النزاع بين الأشرار والأبرار، فلا هي محمودة مطلقا ولا مذمومة مطلقا. بل يقال فيها مثل ما يقال في سائر القضايا المستجدة "حسنها محمود وقبيحها مذموم"، فهي متى نحسن توظيفها ونسعى بها إلى الخيرات والإيجابيات تقبل وتنفّذ، وإلا فهي تترك وتُنبَذ.
ثم إنها-بغضّ النظر: هَلْ لها أصل في الشرع أو لا؟- أصبحت ولها ارتباط وثيق وصلة قوية بما يسمي بـ"الديمقراطية"، خاصة في القرون المتأخرة، حتى لا تكاد تُذكر إحدى الكلمتين ولا تُسمع إلا ويتبادر إلى الأذهان تصور الأخرى. وذلك لأن رجال كل الدول القائمة على النظام الديمقراطي، لم تقم بينهم علاقة أكثرُ من أن تكون علاقة سياسية، وفي حدود الأمور السياسية. ولهذا نجد من الناس من يشتد في ذم السياسة ورجالها، حتى إن الشيخ محمد عبده وهو رائد الإصلاح السياسي كان في آخر المطاف آثر ترك السياسة مخالفا لأستاذه الشيخ جمال الدين الأفغاني، وأخذ  يلعن كل ما اشتق من كلمة "ساس يسوس".
كما أننا نجد أيضا من الناس من يرحّب بالديمقراطية ويفتح لها الباب ويفسح لها الميدان للتطبيق وحمل حياة المجتمع عليها لِمَا يراه من أن هناك نقطة التقاءٍ بين أهداف الديمقراطية وبين مقاصد الشريعة الإسلامية.
فما الذي يهمني هنا؟؟

لست أقصد -أخي القارئ- فيما ستراه في السطور الآتية الانحيازَ إلى أحد الفريقين المتنازعين والوقوفَ بجنبه ضد الآخر، كلا. وإنما أريد من خلالها أن أبين كيف أن جوّ النزاع السياسي له تأثيره القوي العجيب الوخيم في عقلية رجال العلم والدين، تأثيرا وصل بهم إلى إبداء نظرية جديدة لم يسبق إليها وتُوْهِم في جوهرها الانتقاصَ من شأن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم لا يشعرون. كيف ذلك؟؟
وصف بعض مؤيدي الديمقراطية وأنصار السياسية النبيَّ صلى الله عليه وسلم بوصف يحط قدره ويقلل شأنه ويبتعد به عن التأسي بالسلف الصالح في حسن التأدب معه، فهم يطلقون عليه اسم "رئيس الدولة"، وذلك كي يتسنى لهم فيما بعدُ إقناع عامة الناس بضرورة التصويت في انتخابات الرئاسة لدولة ما بحجة أن من بيده زمام أمور الشعب فهو في الحقيقة يمثّل نائبا عن النبي قائما مقامه. وهذا الصنيع لا شك خطأ وجريمة في حق المصطفى عليه الصلاة والسلام، لأسباب:
أولا: لم نسمع في تاريخنا الإسلامي ولا في تاريخ البشرية عموما إطلاق هذا الوصف على أي عظيم من العظماء أو ملك من الملوك. فَهِرَقل مثلا، لم يقل أحد إنه رئيس الدولة، بل هو"ملك الروم أو عظيمهم"، والمُقوقس ملك الفرس...وهكذا.
وقد أبى الله ويأبى المسلمون على مدى الدهر إطلاق كلمة "الملِك" على النبي، لأن مقامه الذي أقامه الله فيه أجلّ وأكرم وأشرف وأعظم من أن يكون ملِكا، فهو في قلوبهم دائما وأبدا نبي ورسول مبعوث من عند الله وليس بملِك يرث ملك أبيه".وقد علموا تمام العلم بالفرق بين المُلْك والنبوة وبين الملِك والنبي، مفهوما وحقيقة، فتورّعوا من كل شيء فيه منقصة لقدر الحبيب. فهمْ لم يطلقوا عليه "الملِك" خشية الانتقاص من شأنه. فما بالك برئيس الدولة!!
على أن كلمة "رئيس الدولة" كلمة إنما يظهر استعمالها منذ أن ينقسم العالم –حتى العالم الإسلامي- إلى دُوَل، ويتجزأ الناس إلى شعوب، من يوم سقوط الخلافة وصعود الديمقراطية منصةَ الحكم، حتى يومنا هذا.
ثانيا: إن أي رئيس لدولة ما لا يتصرّف تصرّفا يتجاوز حدود ولايته الرئاسية. فرئيس إندونيسيا مثلا مسئول فقط عن أمور شعبه هم شعب إندونيسيا. كما أن كل ملِك مطلوب برعاية مَنْ تحت مُلْكِه دون سواهم. أوكان الأمر كذلك في حقّ من خاطبه الحق بقوله: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)؟
ثالثا: أيّ وصفٍ أجاز لنا الشرع أن نصف به النبي عليه الصلاة والسلام جاز لنا أن ندعوه به. فنحن ندعوه بـ"يا رسول الله، يا نبي الله، وحبيب الله، يا سيد الخلق، يا أكرم الخلق، يا إمام الرسل، يا خاتم الأنبياء" ونحو ذلك، لأن تلك الأوصاف كلها ثبت الإذن فيها من قبل الشرع نفسه، حتى فيما لم ينص عليه منها شريطة ألا تنافي شمولية مضمون الآية (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين). فأنى لنا أن ندعوه بـ"رئيس الدولة"؟؟ وأين نحن من قوله سبحانه: (لا تجعلوا دعاء الرسول بينكم كدعاء بعضكم بعضا)؟؟ وإطلاق رئيس الدولة يشترك فيها المسلم والكافر، والبر والفاجر، والصالح والطالح. فإن أطلقناها على رسول الله نكن بذلك قد سوّينا بينه وبيننا في النداء، بل سوّينا بينه وبين أعدائه؟
رابعا: نفى سبحانه تعالى أن يكون نبيه أبا لأي أحد من الناس فخاطب أمته خطابا عاما بقوله: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم). مع أن الواقع قد صدقنا حين أخبر بأنه صلى الله عليه وسلم أبٌ لابنه القاسم، حتى كنى نفسه بأبي القاسم ونهى أن يتكنّى به غيره، كما هو أيضا أبٌ لسائر بناته. ومع ذلك نفى الحق سبحانه تلك الأبوّة؛ لأن له صلى الله عليه وسلم منزلة فوق منزلة الأبوة، هي مقام الرسالة والنبوة. ولذا، فما كان له سبحانه إلا أن يرشدنا إلى دعائه بما يستحقه مقامه فقال: (ولكن رسول الله وخاتم النبيين). أي: لا يقولنّ أحدكم لمحمدٍ: "يا أبي"، بل ليقل: "يا رسول الله، أو: يا خاتم النبيين". وذلك -والله أعلم- حتى لا يكون الفخر به منصبّا على كونه أبا أو زوجا أو نحو ذلك..، وإنما ليفتخر به لكونه رسولا أشرف الرسل، ونبيا خاتم الأنبياء ورحمةَ الله للعالمين. وقد عشنا ولازلنا نلتمس هذا المعنى من أخلاق أهل بيته صلى الله عليه وسلم، فلم تقل له زوجاته يوماما: "يا زوجي"، ولا ذريته: "يا جدّي"، بل كلهم يقولون: "يا رسول الله".
خامسا: أنكر اليهود والنصارى نبوة محمد ورفضوا رسالته وأبوا إلا أن يُلْبِسوا نبيهم لباسا قضى الله أن يُلبِسه نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم، فادعت اليهود أن لا نبي بعد موسى، وادعت النصارى أن لا نبي بعد عيسى. ومقتضى الدعوى أنهما عليهما السلام في نظرهم هما آخر الرسل وخاتم الأنبياء، ولازم الدعوى أن رسالتهما عامة لا رسالة بعدها. ومع هذا لم يقولوا بأن موسى عليه السلام أو عيسى عليه السلام رئيس الدولة. فلماذا نحن الذين شرّفنا الله بخاتم الرسل حقا وبعموم رسالته نذهب فنضيّق عليه ما وسعه الله عليه حين قال: (وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا ولكن أكثر الناس لا يعلمون) فنقول له "رئيس الدولة"؟
 بقي الآن الإجابة عن سؤال واحد تفرضه الآية: "أنحن مِن ضِمْن أولئك الذين لا يعلمون..؟ أو ماذا؟
وفي الختام أوصي نفسي المذنبة وإخواني بتقوى الله في حق حبيبه محمد، وبتدبر قوله تعالى في مختتم سورة الفتح، وهو يعرّفنا بمن هو محمد؟ فقال: (محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم).
هذا.. والله أعلى وأعلم

صباح يوم الأربعاء 16/4/2014 بمدينة البعوث الإسلامية بالقاهرة.

0 komentar:

Posting Komentar