لو كنت مراهقاً في ثمانينيات أو تسعينيات القرن الماضي، ستكون حتماً متأثّراً بأغنية أو اثنتين لعمرو دياب. في تلك المرحلة، كان «الكاسيت» سيّد الساحة، والفنان المصري مَلِكها، إلى جانب مجموعة من زملائه الذين أفلَ نجمهم مع الوقت. أما «الهضبة» فلم يكن ذات صلاحية محدودة، بل ظلّ النجم العربي الذي رافق أجيال الثمانينيات والتسعينيات والألفين، وصولاً إلى اليوم. هكذا، امتلك دياب مفاتيح النجاح، ولم يستطع أحد أن يهزّ «عرشه»، ليرافق الأجيال الصاعدة من «الكاسيت» المسجّل إلى فورة السوشل ميديا ونجوم الـ«تيك توك»، حتى تصدّرت أغانيه تلك التطبيقات وتحوّلت إلى تراند.كثيرون يطلبون الوصفة السحرية لنجومية «الهضبة»، لكن الجميع يؤكّد بأنها عملية متكاملة العناصر، أولّها اختياراته الجريئة والجديدة في اللحن والكلمة، إلى جانب الحفاظ على شبابه الدائم واعتنائه بنفسه، ناهيك بغيابه التام عن الصحافة والإعلام، ليبقى حضوره سرّاً لم يعط مكوّناته لأحد. من لم يحفظ أغنيات «ميال»، و«شوقنا»، و«متخافيش»، و«ويلوموني»، و«راجعين»، و«عودوني»، و«قمرين»، و«تملّي معاك». وفي بداية الألفين، طرح دياب أغنيات «علّم قلبي»، «ليلي نهاري». وفي السنوات الأخيرة، كشف عن «السرّ»، و«تملي معاك»، و«من العشم»، و«برج الحوت»، و«انت الحظ».... لائحة طويلة من أغنيات تحكي كل واحدة قصة تلمس واقع العلاقات الغرامية والعاطفية.
جال عمرو دياب على غالبية دول العالم، لكن علاقته ببيروت كان لها طابع خاص. في عزّ فورته في تسعينيات وألفي القرن الماضي، تردّد أنّ الفنان اشترى منزلاً في وسط بيروت حيث كان يقضي وقتاً، قبل أن يبيعه قبيل اندلاع الأحداث في لبنان بُعيد اغتيال الرئيس السابق رفيق الحريري عام 2005. لكنّ دعسة ناقصة أدت إلى انقطاع علاقة عمرو مع بيروت. قبل 12 عاماً تقريباً، خرج متعهّد الحفلات المنتج الراحل جان صليبا متحدثاً عن خسارة مالية تعرّض لها بعد إلغاء حفلة دياب في بيروت، بسبب عدم الإقبال على شراء بطاقاتها. يومها كشف صليبا أن مدير أعمال دياب في ذلك الوقت، لم يتحمّل أعباء تلك السهرة، فتكبّد صليبا أعباء تلك الحفلة التي أوقعته في أزمة مالية. وها هو دياب يضرب موعداً طال انتظاره مع جمهوره اللبناني. اللافت أنّ الحفلة التي ستُقام غداً في ظروف اقتصادية لم يشهد لها اللبنانيون مثيلاً في تاريخ بلدهم، راوح سعر بطاقاتها بين 90 دولاراً و 1200 دولار أميركي. وبيعت البطاقات في السوق السوداء حتى تخطّى سعر البطاقة ألف دولار أميركي.
«إنها أكبر من حفلة. إنها مهرجان». هكذا يختصر أحد العمّال في المسرح الذي بُني خصيصاً على «واجهة بيروت البحرية» لإقامة حفلة عمرو دياب في الساعات القليلة المقبلة.
منذ اللحظة الأولى لكشف الفنان المصري عن موعده، ترافق الحدث مع ضجّة على صفحات السوشل ميديا ووسائل الإعلام. فقد راوحت الأخبار بين الحديث عن المبلغ المالي «الضخم» الذي تقاضاه نجم «قمرين» وقيل إنه يفوق الـ 500 ألف دولار أميركي، وبين إحيائه زفافاً بعد السهرة، لإحدى الشخصيات المقرّبة من رئيس الحكومة السابق سعد الحريري، إلى جانب بيع البطاقات منذ الدقائق الأولى لطرحها في البيع. رغم بعض الأحداث السياسية المتوترة التي عاشها لبنان أخيراً، لكنّ منظّمي الحفلة لم يتوقفوا عندها. قبل أيام، بدأت «واجهة بيروت البحرية» تشهد حركة كثيفة. مهندسون ومعماريّون وخبراء صوت، كلّهم اجتمعوا في ذلك المكان لبناء مسرح ضخم.
في هذا السياق، يقول مدير شركة velvet للإنتاج منظمة الحفلة (بالتعاون مع شركة venture lifestyle) أحمد عيتاني في حديث معنا «إن المسرح يسع قرابة 10 آلاف شخص، وهو بات الآن جاهزاً لاستقبال جمهور عمرو دياب». يرفع عيتاني شعارات مناسباتيّة من قبيل «إنها حفلة لبيروت الحزينة التي تعاني منذ أربع سنوات من مشكلات متنوعة. على الجمهور أن يحضر بثياب اللون الأبيض كي نحتفل بعرس بيروت». وعن استقبال عمرو في بيروت، يلفت المتعهد اللبناني إلى أنّه لن يقام مؤتمر صحافي لتلك المناسبة، مضيفاً: «سيكون النهار طويلاً تتخلله أنشطة فنية وترفيهية، قبل أن تُفتح أبواب المسرح عصراً (18:30)، وتنطلق السهرة عند التاسعة أو العاشرة مساءً».
تخطّى سعر البطاقة الألف دولار في السوق السوداء


يتوقف عيتاني عند أهمية تنظيم الحفلة، قائلاً «التنظيم سيكون دقيقاً لتفادي وقوع أي حوادث. هناك عشرات المواقف التي خصصت للسيارات، إلى جانب الدعم المعنوي واللوجستي من قبل القوى الأمنية. سيقفل وسط بيروت بسبب كثافة الحضور. تم تأمين فوق 100 باص لنقل الحضور من وإلى مكان السهرة». لكن ماذا عن برنامج حفلة عمرو دياب؟. يجيب: «سيغني القديم والجديد. فريق العمل بات في بيروت. عمرو متحمّس للحفلة. يحبّ بيروت وسعيد بالطاقة الإيجابية التي تحيط بحفلته». هكذا، في زمن تغرق فيه بيروت في الظلمة، وأغلبية سكّانها تحت خطّ الفقر، تأتي حفلة عمرو ديب لتكشف عن تلك الهوة الشاسعة التي باتت تفصل اللبنانيين، كأنّنا بذلك أمام بلدين وشعبين، حيث الأمل واليأس يتعايشان جنباً إلى جنب!