توسّعت ظاهرة تربية الحيوانات الأليفة في تونس خلال السنوات الأخيرة، وصارت لافتة للانتباه، إذ بات تجوال المارّة مصحوبين بحيواناتهم في الشوارع وفي الفضاءات والحدائق العامّة، مشهدًا مألوفا لا تكاد تخلو منه منطقة.ترك إسكندر شقّته بجهة الحي الأولمبي في العاصمة تونس، رغم أنّها قريبة من مقرّ عمله، وانتقل للعيش في منطقة سكّرة حيث استأجر بيتًا فيه حديقة كما يؤكد لمنصّة "المشهد"، ويبرّر هذا الخيار بتعلّق ابنه بالكلاب، وإصراره على تربيتها، يقول إنه جرّب تربية كلب صغير في شقّته السابقة، لكنّ المساحة كانت صغيرة فأُجبر على التخلي عنه، "أصيب ابني بحالة اكتئاب بسبب ذلك، كان متعلّقا بكلبه لدرجة كبيرة، فقررنا عندها أن نبحث عن بيت أكبر حيث يمكننا أن نربّي كلبا كبيرا من دون أن نزعج الجيران" أما ابنه عزيز الذي لم يتجاوز عمره سبع سنوات، فيقول وهو يلاعب كلبا من فصيلة "الشيواوا " أطلق عليه اسم "شون، "إنه شقيقي الصغير الذي أُمضي معه كلّ وقتي"، ويؤكد لمنصّة "المشهد"، أنه لا يرغب في تركه ولن يسمح لأحد بأخذه منه، مثلما حدث مع كلبه السابق.وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تنتشر المجموعات الخاصّة بالحيوانات، وهناك ينشر المعلّقون صورا لحيواناتهم متفاخرين بجمالها وطيبتها، ويتبادلون المعلومات حول كيفية تربيتها أو علاجها.ويحدث أحيانا أن يعرض بعضهم حيواناته للتبنّي، أو أن يبحث عن عائلة تتبنّى قطّا أو كلبًا سائبا التقطه من الشارع لحمايته.لكنّ أغرب الإعلانات التي قد تصادفك على مواقع السوشيال ميديا، تلك التي يعرض فيها أصحابها مكافأة ماليّة مهمّة لمن يعثر على قطّهم أو كلبهم الضائع، وقد وصل المبلغ في إحدى المرّات، إلى أكثر من 3 آلاف دولار، ورغم أنّ هذه الإعلانات تثير عادة موجة من التعليقات الساخرة، الا أنّها تلقى في المقابل تعاطفًا كبيرا من محبّي الحيوانات، ممّن يؤكدون أنّ "الحزن بسبب فقدان حيوانك، يضاهي الحزن بسبب فقدان إنسان عزيز". تجارة مزدهرةوأدّت الزيادة الملحوظة فى تربية الحيوانات في السنوات الأخيرة في تونس، إلى ازدهار تجارة بيعها وشرائها، كما ظهرت أنشطة أخرى على علاقة بالحيوانات، مثل بيع طعامهم وأدوات تنظيفهم، حتّى أنّ البعض فتح نزلًا خاصة بهم، بينما اختار البعض افتتاح صالون لقصّ شعرهم وتزيينهم.وفي وسط العاصمة تونس تُقام كلّ يوم أحد وهو يوم عطلة رسمي، سوق خاصة ببيع وشراء جميع أنواع الحيوانات، يقصدها المربّون لعرض حيواناتهم بأسعار مختلفة يُجمع روّادها على أنها مرتفعة نسبيا، مقارنة بالمقدرة الشرائية للتونسيّين.ويقول بشير وهو مربّي كلاب، إنّ أسعار الكلاب الصغيرة تختلف باختلاف الفصيلة واللون، مضيفا في تصريح لمنصّة "المشهد" أنّ الإقبال كبير على شرائها، "من ذلك أنّ البعض يختارها لتكون هديّة لشخص عزيز عليه".نصف التونسيينقبل سنوات وتحديدا قبل حوادث 2011، كانت تربية الحيوانات الأليفة ظاهرة محدودة لديهم، يؤكد الطبيب البيطري أيمن برهومي لمنصّة "المشهد"، مضيفا أنّ التطور اللافت لهذه الظاهرة، حدث بعد سنة 2011، ثم بلغ ذروته بعد جائحة" كوفيد".ويقول البيطري التونسي، إنّه لا توجد أرقام رسمية في تونس عن عدد هذه الحيوانات، ويشرح أنّ حصر عددها أمر غير ممكن حتّى بالنسبة للجهات الرسمية، لكنه يرجح أن يكون لنصف العائلات التونسية حيوان أليف، قائلًا: عائلة من اثنتين تمتلك حيوانًا أليفا. ويزيد أنّ تربية الحيوانات الأليفة لا تقتصر على شريحة عمْريّة أو اجتماعية، أو ثقافية معينّة، لافتا إلى أنّ هذه الكائنات "دخلت كل البيوت في كل المناطق، وتعلّق بها الجميع نساءً ورجالًا وأطفالًا، وشبابا وشيوخا".وعن تكلفة تربية حيوان يقول الطبيب التونسي، إنها تختلف بحسب اختلاف قدرة العائلة المادية، "قد يكون المبلغ اليومي في حدود 3 دنانير وقد يصل الى 100 دينار"، يؤكد المتحدث مضيفًا، أنّ التونسي يعتني بحيوانه مثلما يعتني بابنه.ويرى أنّ ارتفاع الظاهرة مرتبط بفتور العلاقات الاجتماعية بين التونسيين، موضحًا، "حضور الحيوانات الأليفة عوّض هذه العلاقات التي تقلصت، وصار الحيوان بالنسبة للتونسي يمثّل الأنيس".وينفي المتحدث أن يكون لتطوّر الظاهرة علاقة بالتقليد والموضة، مضيفا، "سابقا كان الأمر كذلك كانت العائلات المرفّهة تتباهى في ما بينها بتربية أنبل الفصائل، لكن اليوم الأمر صار مختلفًا، فحتّى قطط وكلاب الشوارع بات لها مكان في البيوت التونسية".وكشف المتحدث أنه لا وجود لسجلّ رسمي للحيوانات الأليفة كما هو معمول به في بعض الدول الغربية.وتمنح الحيوانات الأليفة صاحبها شعورًا بالطمأنينة والأمان، وفق المتخصصة في علم الاجتماع حبيبة التاجوري، التي تقول لمنصّة "المشهد"، إنه ورغم انتشار التكنولوجيا، فإنّ الإنسان ما زال يبحث عن دفء المشاعر، ويحاول أن يعوّض الأحاسيس التي فقدها في علاقته بمحيطه الصغير، مثل الوفاء والعطاء، وتزيد، أنّ تربية القطط والكلاب المعروفة بوفائها، تمنح صاحبها فرصة لتجاوز الخيبات والخيانات.وترى أنّ الحيوان الأليف صار جزءا من حياة التونسيين، يتقاسم معهم فضاءهم الحميمي، بما في ذلك سريرهم، وهو ما يكشف المكانة الكبيرة التي صار يحظى بها خصوصا في السنوات الأخيرة، التي عمّ فيها الشعور باليأس والخوف.ويمنع القانون التونسي تربية الحيوانات لغاية تجارية داخل المساكن، ويعاقب مرتكب هذا النشاط بعقوبات مالية، تتراوح بين 300 دينار و100 دينار، لكنه لا يمنع تربيتها لغاية غير تجارية، على أن يحترم مالكها مجموعة من الشروط، في حين تستوجب بعض أنواعالحيوانات ترخيصا من وزارة الداخلية لتربيتها، في المقابل وضع القانون عقوبات في حال الإخلال بتربية هذه الكائنات، وذلك بهدف تطوير فكرة الرفق بالحيوانات بين البشر، ومنع إصاباتها بأيّ سوء.لحيوانات الشارع حظورافق الشغف بتربية الحيوانات ظهور عدد كبير من الجمعيات التي تقدّم المساعدة للقطط والكلاب السائبة، وتعمل هذه الجمعيات التي ينشط في أغلبها متطوّعون، على مساعدة هذه الفئة من الحيوانات وحمايتها من مخاطر الطريق، وتقديم الطعام لها ومنحها مأوى.وفي ضاحية مرناق على تخوم العاصمة تونس، فتحت السيدة فوزية يعقوب وهي رئيسة جمعية "إغاثة الحيوانات الأليفة"، مأوى لإيواء الحيوانات، وتؤكد لمنصّة "المشهد"، أنها تنقذها من الشوارع، مضيفة أنّ أعضاء الجمعية يتنقلون بين مختلف مناطق العاصمة بحثًا عن القطط والكلاب السائبة، أو التي تخلى عنها مالكوها، لمنحها سقفًا يحميها من مخاطر الشارع، الى حين إيجاد من يقبل بتبنّيها، وتعتبر أنّ من حق هذه الحيوانات أن تلقى معاملة كريمة.في المقابل تقود الطبيبة البيطرية سميّة شوك، حملة لتعقيم الكلاب، مؤكدة في تصريح لمنصّة "المشهد"، أنّ هذا هو الحلّ الوحيد للحدّ من تكاثر الكلاب والقطط التي غزت شوارع تونس، وصارت في بعض الأحيان تشكّل خطرا على صحة التونسيين، وحماية لها من التعذيب أو القتل قنصًا، وهو الأسلوب الذي تعتمده السلطات عادة للقضاء على الكلاب السائبة.(المشهد)