تحدثت عن الإتصال الطباعي والإتصال الخطاطي في آخر درس لي عن صناعة الخطوط العربية. وقلت أن الإتصال الخطاطي أساسي لخطوط مثل الرقعة ولكنها أقل أهمية بالنسبة لخطوط النسخ. وحيث أن خطوط النسخ هي الأكثر شيوعاً رأيت أن أضيف خلفية تاريخية حول موضوع إتصال الحروف مع مجموعة حروف الجيم حاء خاء والتي سنسميها حروف الجيم اصطلاحاً.
وسأحاول عرض الموضوع عبر سلسة من الصور مع تعليق أسفل كل صورة. ولربما يكون من المفيد أن نبدأ بالفيديو الذي نشرته قبل أسبوع تقريباً.
لم يكن إعداد تسجيل الحلقة الثانية من سلسلة الخطوط التارخية القديمة حول المصادر والكتب سهلاً. ولربما كان أصعب ما في ذلك هو عدد المصادر التي أحببت أن أغطيها في التسجيل. فباستثناء فترة التحضير التي دامت ما يقارب الستة أشهر استغرق التسجيل والإعداد الفني ما يقارب الشهر. إلا أنه كان مع الصعوبات العديدة التي واجهتني بعض الجوانب اللطيفة وخاصة ما يتعلق بتعلم واستخدام برنامج الـ After Effects لعمل الـ Motion Graphics التي استخدمتها لأول مرة في هذا التسجيل.
ولنتفرج على التسجيل الذي حاولت أن لا أترك المشاهد ينتهي منه دون ابتسامة للنكتة الظاهرة على آخره:
المسميات
الأسماء مهمة. وحينما نناقش موضوعاً مثل موضوع الخطوط التاريخية تأتي قضية أسماء هذه الخطوط كموضوع جدلٍ في أغلب الأحيان. وقد كتبت سابقاً بعض المقالات عن الخط المدني الحجازي فجاءني من القراء من له رأي مخالف بخصوص استعمالي للمسميات في مقالاتي. وهذا طبيعي وأنا أتفهمه. وأنا في البداية لا أدعي بأنني الخبير المتمرس في تصنيف الخطوط العربية أو تصنيف أي شئ آخر بالمناسبة، كما أن المتخصصين الذين أتحدث عنهم في هذا الإستعراض هم أنفسهم لا يتفقون على مسميات الخطوط التاريخية التي يتحدثون عنها. والمشاهد للتسجيل سيلاحظ أنني أستخدم مسميات معروفة كالمدني الحجازي والكوفي المصحفي والكوفي المشرقي، ومسميات أخرى غير معروفة كالمشق الأموي. ولربما يكون هذا المسمى الأخير من ابتكاري إلا أنه مبنى على ما يذكره بعض الباحثين الذين نستعرضهم في هذه المناسبة. وهكذا نرى أن المسميات تتعدد ولكن المعنى في النهاية واحد.
المصادر
وفي ما يلي الروابط الى المصادر المذكورة في التسجيل ومنها ما يمكن تحميله مباشرة من الرابط. أما المصادر التي لا يوجد لها نسخ على الإنترنت فقد وضعت الروابط الى المواقع التي يمكن الحصول على تلك المصادر منها.
طبعاً، أكيد سيلاحظ البعض اقتصاري على المصادر العراقية في معرض المصادر العربية الحديثة. وبالرغم من اعتزازي بعراقيتي والباحثين الأجلاء من بلدي فالتعصب لها ولهم ليس من شيمتي على الإطلاق. فباستثناء كتاب ناجي زين الدين المصرف جاءت بقية المصادر العراقية الثلاث التي استعرضتها في أول نتائج البحث على الإنترنت فكانت بمثابة القطوف الدانية التي جريت بها وأنتجت منها هذا البحث. فإن كان هناك عتب، فالعتب على Google. ومن كان عنده غضب فليصب جام عضبه على Google. ومن كان يتسائل فليسأل..من؟ Google طبعاً، فأنا أسأله كل يوم أسئلة كثيرة 😉.
الملاحظات
سيلاحظ المتفرج على التسجيل بأني قد أوقفت الملاحظات. وذلك لأجل تثبيط ملاحظات العابثين العابرة وترك المجال للجادين لإبداء ملاحظاتهم وتصحيحاتهم من هنا وعلى هذه المدونة. وسأكون في غاية الإستعداد لمناقشة الأفكار البناءة والجادة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين والذي بنعمته وفضله وإحسانه تتم الصالحات.
الخط الكوفي مهم بالنسبة للمصمم الطباعي لأن هذا الخط يصلح للإستخدام مع تكنولوجيا الطباعة العربية الحديثة والمبنية على تبسيط الحروف واستقرارها على خط السطر. وذلك لأن تراكيب الحروف في الخط الكوفي بيسطة وتتابع أفقياً مع السطر.
ويطلق إسم الخط الكوفي على نوعين مختلفين من الخط العربي. فهناك الكوفي القديم الذي نشأ في العهد الأموي من غاية سامية وهي كتابة المصحف بخط يليق بمقام القرآن الكريم. وأما الخط الكوفي اليوم فيطلق على طراز هندسي أحدث بكثير لعله نشأ في شمال أفريقيا أولاً. ويختلف الكوفي الحديث عن الكوفي القديم في أنه مرسوم هندسياً على نقيض الكوفي القديم الذي كان يخط بالقلم.
والكوفي القديم يمثل مرحلة مهمة من مراحل تطور الخط العربي. وقد يصعب على القارئ العربي اليوم قراءة الخط الكوفي القديم لعدم تشابه حروفه مع الحروف العربية الحديثة ولعدم وجود النقاط في الكوفي القديم. وسنقدم جدولاً في مقالة لاحقة عن تطور شكل الحرف العربي من الكوفي القديم الى الحرف العربي الحديث ومنه الكوفي الهندسي.
ومن الخطاطين العراقيين الذين اهتموا بالخط الكوفي الخطاط حسن قاسم حبش الذي له العديد من الأعمال الجميلة. ويستغل الخطاط حسن قاسم حبش الخصائص الهندسية للخط الكوفي الحديث ليمزجه ببراعة مع الزخرفة العربية في أعماله. وقد نشر الخطاط حسن قاسم حبش المولود في الموصل سنة 1944 أعماله في كتاب سمّاه “الخط العربي الكوفي” والذي طبع بمطابع جامعة السليمانية سنة 1980. وفي زيارة لي لبيروت مؤخراً وجدت أن الكتاب قد أعيد طبعه بنسخة ملونة ولكني وجدت طبعة جامعة السليمانية القديمة والغير ملونة أحلى بكثير. وقد اخترت منها بعض النماذج لعرضها مع هذه المقالة.
ما بين الكوفي القديم والحديث
هدية العدد
إضافة الى أعمال الخطاط العراقي حسن قاسم حبش أحب أن أقدم كراساً في تعليم رسم الكوفي الهندسي بطريقة تختلف عن طريقة الخطاط حسن قاسم حبش الذي يستخدم التربيعات كما رأينا. والحقيقة أن لوحات الكراس منتشرة في العديد من المواقع العربية المهتمة بالخط العربي. والزيادة الوحيدة التي أضفتها هو جمعها في ملف واحد لتسهيل تداوله وطباعته ليضل معكم كمرجع مفيد في رسم الخط الكوفي الهندسي.
لعل تصميم صفحات المطبوعات أهم من تصميم الحروف ذاتها. تعلمنا في الهندسة المعمارية أن نهتم بالمبنى على مستويات عديدة. فالمستوى الأول يتمثل بالشكل العام وكيف ينظر إليه عن بعد. ثم يأتي بعد ذلك مستوى الأحتواء ضمن كتله الخارجية وبالتالي الداخلية وهذه مستويات أخرى يجب الإهتمام بها وإعطائها المعالجات الخاصة بها. حتى ننتهي بمستوى التفاصيل الصغيرة كتشطيبات الجدران وتفاصيل التركيبات من أبواب وشبابيك وإضاءة. وفي كل مرحلة على المصمم أن يوفر للمستخدم متعة بصرية متجددة.
وهذا ينطبق على تصميم المطبوعات. فأول ما يجذب النظر هو أبعاد المطبوع وألوانه الرئيسية. ثم تبدأ العين بالتفرس في تصميم الصفحة وتوزيع المساحات الكتابية والصورية عليها. ثم وبعد ذلك تبدأ العين بملاحظة الحروف وأشكالها واتزانها أن كان ذلك مما يهم القارئ. وقد يغفل الكثير عن تصميم الحروف فلا يفرق معهم هذا الخط أو ذاك طالما أنه بالإمكان قراءة النص. في حين أن التنسيق الجيد للصفحة يساعد في فهم النص وذلك بالتركيز على ما يظهر مهماً فيها.
أول تجربة لي في مجال الطباعة التجارية كان مشروعاً خاصاً لي. وكان هذا المطبوع كراساً لتعليم الصلاة على شكل صفحات بالأسود والأبيض وبالقطع الكبير مطوية داخل غلاف كرتوني ملون. وقد كان المشروع مجهوداً فردياً بالكامل تقريباً. كتبته بنفسي ورسمت صوره بنفسي وصممت الصفحات بنفسي وبحثت عن التمويل بنفسي وأشرفت على الطباعة بنفسي. والحمد لله أستطيع القول بأني نجحت الى حد كبير في ذلك كله، إلا أن الفشل كان ينتظرني فيما بعد ذلك. فقد فشلت في تسويق المطبوع ولولا جهود الأخوة الطيبين في توزيع المطبوع لما أستطعت تغطية أصل الكلفة وأرجاع المبالغ المقترضة الى أصحابها. وأريد أن أثبت في هذه المدونة دعاءاً الى كل من ساهم في تمويل المشروع وتوزيع المطبوع. اللهم يارب العزة العظيم اغفر لهم وارحمهم وارزقهم واهدهم الى الجنّة يا رحمن يا رحيم.
وبالرغم من أني كنت أتعامل مع أحسن مطبعة في العراق يومذاك في صيف 1986 ألاّ أن المستوى الفني الذي وفرته كان دون المطلوب. وحيث أنني رغبت في أنتاج مطبوع متميز حاولت أن أحصر المؤثرات الفنية في أصل التصميم دون اللجوء الى ما تقدمه المطبعة من مؤثرات كالشبك على سبيل المثال. أبقيت تصميم الدواخل بالأسود والأبيض وأستخدمت التظليل بواسطة ما كان يسمى Screen tones. وفي الغلاف أخترت الألوان ألأساسية دون تدريج مع أستخدام خطوط عريضة للرسومات لتغطية الفروقات في تطابق الألوان المحتمل والذي كان شائعاً في الكتب المطبوعة في العراق آنذاك.
وضمن ماكيت طباعي موحد لكل صفحات النشرة قمت بتصميم الصفحة المنفردة بتوزيع المساحات بما يتلائم مع متطلبات الصفحة. وقد حاولت تحقيق التصميم الكرافيكي القوي باستخدام خطوط طباعية قوية والتركيز على توجيه المساحات بالاتجاه العرضي واستخدام التدرج اللوني الطفيف مع أستخدام إطارات بسييطة ذات زخرفة قوية.
واخترت خط ياقوت أسود للنصوص والذي كان شائعاً في تنضيد الصحف في أغلب المطبوعات العربية. ولا يزال هو الخط المفضل لدّي لتنضيد النصوص لما يمتلك من الخصائص التي سأتطرق أليها في مدونة لاحقة عن أنجح الخطوط الطباعية العربية. وياقوت أسود مناسب أيضاَ للعناوين الصغيرة والمتوسطة. والعناوين الكبيرة أعددتها بنفسي برسمها بالخط الكوفي وبوزن ثقيل. وقد قمت بإعداد طقماً كاملاً من هذا الخط الكوفي ضمن عدة تعريب برنامج أوتوكاد للتصميم والرسم الهندسي وآمل أن أستطيع أن أنجز الخط بطريقة Truetype أو OpenType قريباً.
ولقد أفرحني أن النشرة قد أخذت مكانها في كثير من المساجد في بغداد بعد صدورها. ولست متيقناً مئة في المئة ولكنّي أظن بأنه قد تم تقليد النشرة من قبل آخرين ممن لهم ميزانيات مرتاحة (كما نقول بالعراقي) في دول عربية مجاورة. لا بأس. المهم أن أنال أجرها في الآخرة بإذن الله. اللهم ثبتنا على دينك الذي ابتعثت به محمداً صلى الله عليه وسلم. ويمكن تنزيل نسخة منالكراس كاملاً بوضوح عالٍ من هذه الوصلة.