في المقالة السابقة تحدثت عن ملائمة الخط الكوفي للطباعة العربية لانتظام حروف الخط الكوفي في تركيبات بسيطة على خط السطر الأفقي. وفي الجانب المقابل من طيف الخطوط العربية نجد الخط الفارسي والديواني وخط الرقعة يبتعد عن خط السطر بتشكيلات حروفية معقدة نسبياً. وفي هذه المقالة سأحاول عرض بعض خصائص الخط الفارسي مع بعض التفاصيل الخاصة لتحويله الى خط طباعي.
خطوط الأساس الثانوية
إن أول من لفت انتباهي الى خطوط الأساس الثانوية في الخط العربي هو توماس ميلو في مقالته “الخط العربي والتيبوغرافيا، نظرة تاريخية مختصرة“. ويقول ميلو في المقالة أن مقاطع كلمات خط النسخ ترتكز على خط أساس ثانوي مائل بمقدار 5 درجات. وقد تفاجأت بعض الشئ من الملاحظة حيث أني كنت أعتبر خط النسخ من الخطوط العربية التي تنتظم أفقياً على السطر ولكن بعد مراجعة لنماذج من خط النسخ وجدت أن الخط فعلاً له ميلان بمقدار قليل.
وميلان الكلمات في الخط العربي وسيلة لإضفاء الإيقاع والحيوية الى الخط. وتتباين الخطوط العربية في مقدار ميلان قاعدة الكلمات فتركيب الكلمات في الخط الفارسي والديواني والرقعة يكون أكثر منه في خط الثلث والنسخ وينعدم الميلان في الخط الكوفي.
ولعل الخط الفارسي هو الخط الأول الذي برز فيه هذا الميلان كعنصر بصري واضح، ثم تبعه الخط الديواني وخط الرقعة. وأعتقد أن الخط الديواني حافظ على هذا العنصر البصري وكرسه مع الإنحناءات المستديرة التي تميزه، إلا أن خط الرقعة يستخدم ميلان قاعدة الكلمات للمحافظة على الإيقاع وتسهيل رسم الحروف المتوازنة عند كتابة النصوص المطولة.
كيف تكتب الخط الفارسي
في زيارة لي لمدينة عمّان الشهر الماضي زرت إحدى مكتبات العبدلي باحثاً عن كتاب موسوعة الخط العربي لمؤلف مصريّ نسيت إسمه. وقد تعرفت على الموسوعة سابقاً في زيارة لمدينة بغداد ولكنّي لم أشتريها لكثرة عدد مجلداتها. وبدلاً عن الموسوعة خرجت من مكتبة العبدلي بكتاب “كيف تكتب الخط الفارسي” لمؤلف مصري أيضاً هو السيد حمدي عبدالصمد. وقد أعجبني الكتاب لجمال اللوحات الخطية التي توضح قواعد الحروف ولنظافة طبع الكتاب. وأحب أن أعرض عدداً من هذه اللوحات لعل القارئ يحب أن يتوسع في دراسة الخط الفارسي. وسنقوم بعد ذلك بتوضيح بعض الجوانب المتعلقة بالحرف الطباعي من الخط الفارسي.
الخط الفارسي قديما وحديثاً
ولعل نشأة الخط الفارسي بدأت في إيران في أيام الدولة العباسية وقد أشتق من الحرف النسخي. ولكون الخط ينحدر كأنما هو معلق فقد أسماه الإيرانيون “نستعليق” كتوصيف لمنط جديد من النسخ المعلق. ويبدو أن الخط إنتشر في شرق الأراضي الإسلامية حتى أن الكتابة السائدة للغات المشرق الإسلامي في إيران وأفغانستان والهند والباكستان تكتب بالخط الفارسي أو النستعليق الى هذا اليوم.
وقد سبق لنا أن عرضنا أعمال الخطاط محمد شمس الدين من مدينة لكهنوي في الهند والتي أعدها سنة 1913 حسب التاريخ المثبت على لوحاته. وقد جمعت اللوحات في ملف PDF عالي الوضوح من كتاب بدائع الخط العربي للإستاذ ناجي زين الدين المصرف. ويمكن تحميل الملف من هنا.
كيف تطبع الخط الفارسي
بالرغم من وجود التكنولوجيا الطباعية في شكل مواصفات الأوبن تايب (OpenType) إلا أن المحاولات في رقمنة الخطوط المعلقة كالفارسي والديواني والرقعة محدودة جداً. ولعل السبب في ذلك هو صعوبة تضمين كل تشكيلات الحروف المحتملة في الخط. ومع أني لست من المتحمسين لاستنساخ الخطوط العربية التقليدية الى الحروف الطباعية إلا أن المحاولة جديرة لأسباب تاريخية وفنية وتصميمية عديدة.
وفي معرض البحث لإعداد هذه المقالة وجت خطاً طباعياً لكتابة الخط الفارسي يمكن تحميله من هذا الرابط. وقد لا يقدم هذا الخط نتائج مرضية من وجهة نظر الخطاطين حيث أنه لا يدعم استخدام الكشيدة والتي هي من ركائز الخط الفارسي. ومع ذلك فقد يكون الخط مفيداً للمهتمين في رقمنة الخطوط التقليدية.
وهناك أيضاً موقع – أشرنا إليه سابقاً – لعمل لوحات الخط الفارسي على هذا الرابط. وقد قمت بتكوين اللوحة التالية عبر هذا الموقع:
وقد سبق لنا أن تحدثنا عن الكراسين الذين أصدرهما موقع خط دوت نت من تأليف المصمم الطباعي ستيفان بوف. ويمكنكم تحميل الجزء الثاني الذي يتحدث عن رقمنة الخطوط الكتابية وعمل تشكيلات الحروف بتقنية الأوبنتايب وذلك عبر هذا الرابط.
الخط الفارسي في الفن الحديث
إن الحركة والليونة والدينامية في الخط الفارسي تؤهله كمادة جاهزة للإستخدام في الفن الحديث. وقد أخترت سريعاً بعض الأعمال التي وجدتها عندي ولكن الباحث يستطيع إيجاد الكثير من الأعمال الجميلة التي تستخدم هذا الخط كمادة تعبيرية رئيسة.