المحتوى محمي
Al-Majarra Al-Majarra Al-Majarra
المحتوى محمي
استثمار

لماذا على لاعبي كرة القدم العرب التخطيط جيداً لمهنة ما بعد الاعتزال؟

تتقاطع مجالات عمل اللاعبين بعد الاعتزال في الغالب عند التدريب والتحليل، وتتجه القلة القليلة إلى أشكال أخرى من كسب المال.

بقلم


money

(مصدر الصورة: فورتشن العربية)

رغم توجه بعض اللاعبين الرياضيين العالميين -وهم قلة- إلى قطاع الأعمال كمهنة بعد الاعتزال، يعتقد الخبير في قنوات أون سبورت (On Sport) المصرية وليد الحديدي في حوار مع فورتشن العربية أن اللاعبين العرب يبتعدون عن مجال الأعمال بعد الاعتزال، ويوضح: "يقضي اللاعب العربي مسيرته بالكامل في ممارسة اللعبة ولا يتفرّغ لتعلّم مجالات أخرى، لهذا السبب يبتعد عن المخاطرة في تأسيس الشركات ووضع أموال ضخمة في مشاريع غير مضمونة الربح، ويتجه في المقابل إلى المجالات التقليدية ذات الكسب المضمون".

هناك أساطير في كرة القدم انغمسوا في الإسراف، وآل بهم المصير إلى الإفلاس والاستدانة والتشرّد أمثال الإنجليزي بول جاكسوين (Paul Gascoigne). عربياً، هناك من عانوا بعد الاعتزال وعملوا في وظائف بسيطة بمرتبات ضعيفة مثل محمد الخليوي أحد أفراد الجيل الذهبي لمنتخب السعودية المشارك في مونديالي 1994 و1998، والذي توفي في 2013 وترك أطفاله الستّة في منزل بالإيجار، ومواطنه محمد لطف (47 عاماً) لم يكن أفضل حالاً، إذ عمل كحارس أمن في أحد الفنادق بعد الاعتزال. أيضاً لاعب نادي النصر السعودي السابق مصلح الغامدي، أصبح بلا مأوى وعاش في سيارة معطّلة بأحد شوارع الرياض.

يعزي الخبير المالي السابق في وكالة مازور كرايمر (Mazurkraemer) للاستشارات القانونية، دانيال هارت، سبب إفلاس الرياضيين بعد الاعتزال إلى أخطاء المستشارين الماليين، أو إلى انخداعهم بالفرص الاستثمارية الزائفة. فمثلاً، أفلس لاعب كرة القدم الشهير فينس يونغ (Vince Young) بعد التقاعد عام 2014، على الرغم من أن مجموع رواتبه في 6 مواسم فقط بلغ 26 مليون دولار.

واتضح لاحقاً أن مستشاره المالي اختلس 5.5 ملايين دولار وأقحمه في مشكلات قانونية عديدة. أما أسطورة البيسبول الأميركي، كيرت شيلنيغ (Curt Schilling)، فقد انجذب إلى استثمار غير مضمون وأنفق 50 مليون دولار لإنشاء شركة ألعاب فيديو في 2014 قبل أن تنهار وتفلس بعد أشهر.

الأرباح مقارنة ً بالمصاريف

يربح اللاعبون الرياضيون أموالاً طائلة من الرواتب والمكافآت وعقود الرعاية وغيرها. فالبرازيلي نيمار جونيور مهاجم باريس سان جيرمان، يكسب سنوياً زهاء 100 مليون دولار، وهو معروف ببذخه وإنفاقه الملايين على كماليات مثل الساعات والملابس. وقد عرّضت محاولة التشبّه بنمط العيش المترف هذا، رياضيين آخرين إلى الإفلاس قبل الاعتزال، مثل الملاكم مايك تايسون الذي ضيّع ثروته البالغة 400 مليون دولار عام 2003. وبالتالي، تبرز ضرورة تأمين مصدر كسب عقب التقاعد.

التخطيط خير من العلاج

يرى نجم الزمالك ومنتخب مصر المعتزل عام 2017، محمد شعبان، في مقابلة مع فورتشن العربية أنه من الضروري للاعب كرة القدم أن يؤسس مبكراً لحياة ما بعد تعليق الحذاء (وهو مصطلح رياضي يعني الاعتزال)، قائلاً: "تعرضت لتخبط شديد لأنني لم أخطط جيداً وركزت فقط على ممارسة كرة القدم، لقد حدثت أشياء غير متوقعة بعد الاعتزال، والأدهى أن اعتزالي جاء مفاجئاً". 

يضيف شعبان الذي حصد ثنائية الدوري والكأس مع الزمالك عام 2015: "عملت فترة قصيرة في مجال التدريب، ثم انتقلت للعمل في الإعلام ومكثت عاماً عاطلاً عن العمل. هذه رسالة عملية مني لكل لاعبي كرة القدم بأن يبادروا ويخططوا لمهنتهم في المستقبل ويختاروا المجال الذي يبرعون فيه".

"بعد الاعتزال اختلف الدخل المادي كثيراً، ولكن هذا ليس الجانب السيء في القصة، فالأسوأ من ذلك هو انعدام التخطيط والتشتت الذي حدث فجأة. لذلك سأركز الآن على إنهاء دراساتي في مجال التدريب ثم سأنطلق بطريقة احترافية، مستفيداً من خبرتي في كرة القدم وممارستي للعبة لأكثر من عقد ونصف مع الأندية المصرية ومنتخب مصر"، وفقاً لشعبان.

مهنة كرة القدم بعد الاعتزال

تتعدد مصادر دخل اللاعبين بعد الاعتزال، ويرتبط أغلبها ارتباطاً وثيقاً بكرة القدم نفسها، إذ يغتنم اللاعبون مداركهم الواسعة باللعبة ومعرفة أسرارها لكسب الرزق بعد أن أفنوا ما لا يقل عن عقد من الزمان في ممارستها، لتستمر كرة القدم مهنة أساسية لهم قبل وبعد الاعتزال، لكن بأنماط مختلفة، مثل الإسباني بيب غوارديولا (Pep Guardiola) والفرنسي زين الدين زيدان والألماني يورغن كلوب (Jürgen Klopp)، الذين اتجهوا إلى التدريب وحققوا نجاحات منقطعة النظير، وبالطبع عقوداً مالية كبيرة مع أنديتهم.

عربياً "لا توجد خيارات كثيرة بعد الاعتزال: التدريب والإعلام والإدارة، وفي بعض الأحيان وكالات اللاعبين"، حسب شعبان الذي أضاف "مدى ثقافة وتعليم اللاعب يؤثر على تفكيره، فالعقلية المتميزة تنجح لأنها تخطط بطريقة علمية، وغالباً يعرف صاحبها مبكراً أي المجالات تصلح له، فلا يصح مثلاً أن يشغل لاعبٌ منصب متحدث باسم فريق وهو لا يعرف الارتجال أو التأقلم مع أجواء الصحافة والنقد، لذلك يحدد مجال العمل غالباً صاحبه وليس العكس".

تتقاطع مجالات عمل اللاعبين بعد الاعتزال في الغالب عند التدريب والتحليل، وتتجه القلة القليلة إلى أشكال أخرى من كسب المال، على غرار البرتغالي كريستيانو رونالدو (Cristiano Ronaldo) والأرجنتيني ليونيل ميسي (Lionel Messi) اللذين يمتلكان عقداً مدى الحياة مع شركتي الملابس الرياضية نايكي (Nike) وأديداس (Adidas) توالياً للترويج لمنتجاتهما عبر وسائل التواصل والإعلانات التلفزيونية.

لا يرى أفضل لاعب كرة قدم في العالم 5 مرات، ومهاجم فريق مانشستر يونايتد، البرتغالي كريستيانو رونالدو (37 عاماً) أنه قد يصبح مدرباً يوماً ما بعد اعتزاله اللعب، بل يُفضّل التركيز في إدارة الأعمال والحملات الإعلانية التي تدرّ عليه حالياً أرباحاً سنوية بنحو 47 مليون يورو حسب فوربس (Forbes).

أمّا لاعب ميلان وأرسنال السابق والمعتزل في 2020، الفرنسي ماثيو فيلاميني (Mathieu Flamini) البالغ من العمر 38 عاماً، فقد عرف مُبكراً من أين تؤكل الكتف وعمل على البدء بتأمين مستقبله قبل 12 عاماً من اعتزاله، وبالتحديد في 2008 عندما أسس شركة جي إف بايوكيمكالس (GF Biochemicals) للكيماويات بوصفها أول مؤسسة في العالم تنتج حمض الليفولنيك المستخدم في صناعة وقود صديق للبيئة، وتصل قيمتها حالياً إلى 25 مليار دولار طبقاً لـ ذي صن (The Sun).

التلفزيون لمن لا مهنة له عربياً

يمكن القول إن السواد الأعظم من لاعبي كرة القدم العرب اتجهوا إلى مهن مرتبطة بالكرة التي قد لا يجيدون شيئاً سواها. وأغلب هؤلاء اتجهوا مباشرة إلى الإعلام وتحليل المباريات، ومنهم المصري محمد أبو تريكة والتونسي طارق ذياب والمغربي يوسف شيبو والجزائري رفيق صايفي، وجميعهم يعملون لدى قنوات بين سبورتس (BeiN sports) القطرية.

ومع أنهم ليسوا الأفضل في مجال التحليل، إلا أنهم يعتمدون على حب الجماهير وصيتِهم عربياً. تحب الجماهير مشاهدة لاعبيها القدامى على شاشات التلفاز بغض النظر عن مدى جودة ما يقدّمونه. 

ويشرح الحديدي: "أصبح الإعلام الرياضي في الوطن العربي صناعة ضخمة تدر أرباحاً هائلة، لذلك يتلقى اللاعب النجم عروضاً من القنوات التلفزيونية بمجرد الاعتزال، فهو مادة مناسبة للمعلنين لأنهم يضمنون كسب المشاهدات وهذا يسري في مصر والسعودية ودول شمال إفريقيا بالتحديد. أما اللاعب نفسه فيجد في تلك العروض فرصة لمصدر دخل جديد، خاصة أنها تكون بمبالغ فلكية".

قليل من اللاعبين العرب المعتزلين اتجهوا إلى كسب رزقهم بطرق أخرى غير التحليل والتدريب، مثل المصري مجدي عبد الغني الذي جاءت تجاربه في التقديم والتحليل والإدارة الرياضية متواضعة للغاية حسب تقارير وآراء الجماهير، ليتجه إلى الإعلانات المتلفزة وإنشاء أكاديميات كرة قدم.

ويقول الحديدي إن الأكاديميات تمثّل حالياً إحدى أهم مصادر الدخل للاعبين المعتزلين خاصة في مصر لمحاولة تقديم محمد صلاح جديد، وينوّه بضرورة إنشاء شركات لإدارة وتوجيه اللاعبين العرب حديثي الاعتزال ودعمهم لإنشاء مشاريعهم وشركاتهم الخاصة.

يأتي التدريب في المرتبة الثانية بعد الإعلام وتحليل المباريات من حيث الوظيفة التي يشغلها اللاعبون العرب المتقاعدون، ولعل أبرز الأمثلة على الإطلاق الجزائري رابح سعدان المعتزل عام 1973، والذي قاد منتخب الجزائر للتأهل لكأس العالم 1986 و2010، فيما كان مدرباً مساعداً في نسخة 1982 بإسبانيا. وكذلك مواطنه جمال بلماضي، مدرب الخضر الفائز بكأس أمم إفريقيا 2019، بعد 10 سنوات فقط من اعتزاله في 2009.

وبشكل عام، يريد الرياضيون أن يتناسب مستوى معيشتهم بعد الاعتزال، مع مستواها الحالي في ظل الراوتب الفائقة التي يتقاضونها، ويُعتقد أن السبب الوجيه في قصر نظر الرياضيين حيال مستقبلهم المالي بعد التقاعد هو انعدام التخطيط الصحيح بهذا الصدد، حسب دراسة من معهد أميركان بانكربتسي (American bankruptcy institute) الأميركي، ما يجعل التخطيط للمستقبل المالي بالاستعانة بمدراء أعمال وخبراء أكفاء أمراً ملحاً بالنسبة لهم كي لا يقعوا في فخ الإفلاس أو الفشل.


الوسوم :   كرة القدم ،  رياضة
image
image