أنظمة التكوين الفني في خط الثلث ..

     يعد التكوين من الخصائص المهمة والبارزة في خط الثلث وجزء من مرتكزات البنية الفنية الخاصة به، ويعد بمثابة الهيئة العامة للشكل اللفظي لتصاميمه الخطية الرائعة، اذ أعطى التكوين لخط الثلث القابلية الواسعة في التشكيل والتنويع والإبداع من خلال الحروف التي يصاغ بها العمل الفني، وذلك بالطبع لا يكون الا وفق فكرة معينة لإنتاج اشكال خطية فنية منتظمة المعالم.. تتحقق من خلالها الجوانب الوظيفية والجمالية مجتمعة كانت ام منفردة، فالأداء الناتج للتوزيع الخطي وفق أهدافه وأبعاده المختلفة يعتمد أساسا على فاعلية النظام المعتمد من الخطاط في تنفيذ ابداعه الخطي.

يتم تحقيق المخطوطات والنقوش الكتابية من خلال تراكب الحروف أو الكلمات بعضها فوق البعض الآخر أو تداخلها وتشابكها، وتستوعب هذه المخطوطات عدداً اكبر من النصوص إذا ما قيست بالكتابات المنفردة فوق السطر الاعتيادي، ويتمتع خط الثلث بخاصية تعدد أشكال رسم الحرف الواحد.. والتي بدورها تحل إشكاليات التنظيم الشكلي للحروف والكلمات، بغية انتاج مجاميع متناسقة من أشكال خطية مؤثرة في نفس المشاهد، ويتم ذلك وفق أسس التصميم التي ينتجها الفنان الخطاط وبالتالي انتاج علاقات تربط بين الخصائص المذكورة فيما بينها ومن ثم استحداث هيئات خطية مبتكرة.. فيصبح التكوين تطوراً مهما في مسيرة خط الثلث وصفة جديدة يتحلى بها.

     وهنا يمكن تصنف التكوينات الخطية لخط الثلث وتبويبها كأنظمة متعددة، كل حسب وظيفته سواء اكانت جمالية أم قرائية وظيفية أو كليهما معاً.. ومن أهم هذه التصنيفات او الانظمة التكوينية لخط الثلث:

 

1 ـ  الأشرطة الكتابية :-

     ويمكن استخدام هذا التكوين لأداء الأغراض الوظيفية نظراً لتتابع الكلمات فيه، ويكتب فيه النص على شكل شريط ممتد أو إفريز معين.. تكون كلماته متتابعة وتحمل سمة الوضوح لتؤدي الوظيفة  القرائية والتتابع النصي،  ونلمس في هذا التكوين قدرة الخطاط على جعل المتلقي ينظر إلى نقطة بداية معينة ثم ينتقل به إلى نقطة أخرى ثم اخرى واخرى وبطريقة تتابعية وبنفس الإيقاع التتابعي الذي يهدف إليه الخطاط بما يخدم العمل الخطي، ونلاحظ هنا انتظام الحروف والتي تكون على ممتدة على السطر وتتكافا فيه المسافات البينية، فضلاً عن ملاحظة ان أساس هذا التكوين يتجسد بثلاثة خطوط وهمية مستقيمة افقياً، الأول منها هو السطر الأساسي للكتابة ويمثل خط استقرار الحروف والكلمات وانتظامها،  والثاني هو الخط الأعلى والذي يمثل هامات الحروف المنتصبة أو اطرافها، بينما الخط الثالث يتمثل باستقرار الحروف النازلة عليه .  

 2 ـ  تكوين التركيب الخفيف او السطر المتداخل:

و     يتمثل هذا التكوين بتنظيم الكلمات أو المقاطع على خط سير الكتابة بمستوى واحد.. مع وجود كلمة أو كلمتين تطفو فوق سطر الكتابة الأساس من دون ان تشكل خطاً أو مستوٍ ثانِ فوق المستوى الأول، ويربط هذا التكوين بين الوظيفة القرائية والبعد الجمالي في نفس الوقت، وفيه تنتظم الكلمات على شكل مزدوج متكون بالأساس من سطرين متداخلين مع بعضهما البعض.

3 ـ  تكوين السطر متعدد المستويات او ما يسمى بالتركيب الثقيل:

     ويتحقق هذا التكوين عملياً بتنظيم الكلمات أو المفردات الخطية على شكل سطر مزدوج،  ويتكون بالأساس من مستويين متداخلين أو أكثر فَيكوّن بدوره مستويات كتابية متراكبة ومتشابكة مكونة من تداخل حروف النص فيما بينها مكونة التركيب الثقيل، وبالنتيجة يحقق شكلاً منسجماً من خلال توزيع الحروف والمفردات بشكل خاضع لأصول وقواعد التركيب، ويعد منجز هذا التركيب شكلاً متطوراً عن التكوينين الانفي الذكر، ويمتاز بصعوبة التنظيم وكيفية توزيع الحروف والمفردات ومعالجة التشابك من دون التأثير في شكل الحروف من الناحية الفنية والقواعدية، فضلا عن حفاظه على التسلسل القرائي للنص.

   4 ـ  التركيب بهيئات هندسية :-

     والمقصود بهذا النوع من التركيب هو تحقق منجزه الخطي على هيئة هندسية القوام، ومن خصائص هذا التكوين هي تحقيقه للجانب الوظيفي والجمالي في الوقت نفسه، ولذا يتطلب مهارة عالية في توزيع الكلمات والحروف والتشكيلات والمقاطع على نحو متوازن مع الفضاءات الداخلية من دون تكثيف الحروف في موضع وتخلخلها في موضع آخر .

5 ـ  التكوين المتقابل او شكل المرآة:

     وهذا النوع من التراكيب يتخذ هيئات هندسية تارة واخرى غير هندسية وتكون تكويناته بشكل متقابل أو متماثل في جميع مفرداتها من حروف وكلمات.. وعلى خط محوري عمودي محققاً التطابق النصفي التام،  اذ تؤدي الأسس التصميمية في هذا التكوين دوراً بارزاً ومهماً في توزيع انتظام مفردات النص من خلال العلاقات  الناتجة كالوحدة والتطابق والتوازن من اجل تحقيق التناغم والتناسق فيما بينها.

  6 ـ  التراكيب التشخيصية :

     ويطلق عليها البعض اسم التراكيب الايقونية ، وتتميز تراكيبها بانها تتخذ أشكالا متنوعة قد تكون آدمية أو نباتية أو حيوانية أو صوراً

تعكس في بعض الأحيان دلالات المضمون في شكل تركيبي مبتكر وذلك من خلال توظيف الحروف بدراية وخبرة عاليتين لتحقيق الهدف المرجو من المخطوطة، و تعد اهذه لتصاميم محاولة توفيقية بين تجريدية الحرف العربي التشبيهية للتشاكل مع مفردات واقعية متنوعة، ولا تقتصر هذه الأشكال على استخدام خط الثلث فحسب، بل تعدى ذلك الى انواع اخرى من الخطوط  العربية لتحقيق الأشكال الايقونية المبتغاة، ومن خصائص هذا التكوين ما يحويه النص الذي بوساطته تتغير نسب بعض الحروف من اجل تأكيد لغة الشكل من ناحية والمعنى من ناحية أخرى.

سامر قحطان القيسي

الموقع الرسمي للعتبة الحسينية المقدسة

 

المرفقات