دولي, الدول العربية, التقارير, الجزائر

الجزائر وواشنطن.. خلافات استراتيجية تتجاوزها البراغماتية (تقرير)

- أعضاء في الكونغرس طالبوا بفرض عقوبات على الجزائر لاستمرارها بتعزيز العلاقات مع روسيا، لاسيما في مجال الدفاع

Abbas Mimouni, Iyad Nabolsi  | 14.08.2023 - محدث : 14.08.2023
الجزائر وواشنطن.. خلافات استراتيجية تتجاوزها البراغماتية (تقرير)

Algeria

الجزائر/ عباس ميموني / الأناضول

- أعضاء في الكونغرس طالبوا بفرض عقوبات على الجزائر لاستمرارها بتعزيز العلاقات مع روسيا، لاسيما في مجال الدفاع
- زيارة وزير الخارجية الجزائر الأخيرة إلى واشنطن أظهرت توافقا بين البلدين تجاه أبرز الملفات ذات الاهتمام المشترك
- أستاذ العلاقات الدولية حمود صالحي: الجزائر حليف طبيعي لواشنطن رغم الاختلافات الاستراتيجية بينهما، وهي تتبع الحياد الإيجابي
- الخبير الاقتصادي صالح سليماني: التعاون بين البلدين لا يتوقف على الأمن ومكافحة الإرهاب، ويوجد هامش تطور لعلاقاتهما خاصة بالاقتصاد

سلطت زيارة وزير خارجية الجزائر أحمد عطاف الأخيرة إلى واشنطن الضوء على "الحالة الجيدة" للعلاقات بين البلدين، رغم ما أُثير على مدار نحو عام عن انزعاج أمريكي محتمل من الموقف الجزائري تجاه الحرب الروسية الأوكرانية المتواصلة منذ 24 فبراير/ شباط 2022.

ونهاية الأسبوع الماضي، قدمت واشنطن والجزائر صورة عن علاقات قائمة على صداقة تاريخية طويلة وطموح بتوسيع مجالات الشراكة الاقتصادية إلى قطاعات جديدة، ما يشير بحسب مراقبين إلى نجاح الجزائر باتباع براغماتية وتوزان في إدارة علاقات استراتيجية مع كبار الفاعلين على الساحة الدولية.

وقام عطاف في 8 أغسطس/ آب الجاري بزيارة واشنطن بدعوة من نظيره الأمريكي أنطوني بلينكن، دامت يومين، وشهدت إجراء الجانبين محادثات "شاملة وصريحة"، بحسب بيان للخارجية الجزائرية.

الزيارة أظهرت توافقا جزائريا أمريكيا حول أبرز الملفات ذات الاهتمام المشترك، على غرار التسوية السلمية لأزمة الانقلاب العسكري في النيجر جار الجزائر، وتوسيع التعاون الاقتصادي خارج قطاع الطاقة، فيما لم تصدر أي معلومات أو تصريحات عن وجود قضايا خلافية بين البلدين.

خصم محتمل للولايات المتحدة

وتتغذى القراءات التي تسوق لأضرار محتملة في علاقات البلدين من موقف الجزائر القائم على الحياد في الحرب الروسية الأوكرانية، واستمرارها في تعميق علاقاتها الاستراتيجية مع موسكو.

وامتنعت الجزائر عن التصويت على مشاريع القرارات المقدمة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة موسكو بسبب حربها مع أوكرانيا، والتي تبررها روسيا بأن خطط جارتها للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) تهدد الأمن القومي الروسي.

وساد اعتقاد بأن الجزائر ستكون "الضحية الجانبية" لمبدأ السياسة الخارجية للولايات المتحدة القائم على مقولة "من ليس معي فهو ضدي".

وفي 30 سبتمبر/أيلول الماضي زادت التكهنات بشأن مواجهة الجزائر لمشاكل جادة مع الولايات المتحدة، عندما رفع 27 عضوا من الكونغرس رسالة إلى بلينكن طالبوا فيها بفرض عقوبات على الجزائر ووضعها تحت طائلة قانون "خصوم أمريكا".

وبرر هؤلاء خطوتهم بـ"استمرار العلاقات المتنامية بين الجزائر وروسيا"، خاصة بعد تقارير تحدثت عن "صفقة لتوريد أسلحة (روسية) متطورة إلى الجزائر بقيمة 7 مليارات دولار".

ويومها، كانت الجزائر منشغلة بالتحضير لاحتضان القمة العربية مطلع نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، ورفضت التعليق على تلك الرسالة رغم تداولها على نطاق واسع بوسائل الإعلام المحلية والدولية.

مهاجمة الشخص الخطأ

وأمام حالة الاستقطاب الشديد جراء الحرب الروسية الأوكرانية، واصلت الجزائر تطوير علاقاتها مع روسيا والصين، ألد غريمين للولايات المتحدة.

وقام الرئيس عبد المجيد تبون في يونيو/حزيران ويوليو/تموز الماضيين بزيارتين وصفتا بـ"التاريخية" إلى كل من موسكو وبكين، ومكث في كل منهما 5 أيام.

وبعدما تأجلت زيارته المجدولة إلى فرنسا، دار حديث عن خيارات الجزائر الاستراتيجية وابتعادها قليلا عن الغرب بقيادة الولايات المتحدة، خاصة بعد توقيع تبون ونظيره فلاديمير بوتين "إعلان الشراكة العميقة بين الجزائر وروسيا".

وبينما لم تتحدث الجزائر عن تعرضها لضغوط أمريكية، قال وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف في فبراير/شباط إن "الولايات المتحدة تحاول إملاء سياستها على الجزائر، لكنها هاجمت الشخص الخطأ".

وخلال مشاركته في منتدى سانت بطرسبورغ الاقتصادي، رد تبون على سؤال بهذا الخصوص قائلا: "الجزائريون ولدوا أحرارا وسيظلون كذلك في أفعالهم وتصرفاتهم".

وعبَّر في المحادثات الثنائية مع بوتين عن أن رغبة الجزائر في الانضمام إلى مجموعة "بريكس" نابعة من الدخول في نظام اقتصادي بديل للدولار واليورو.

هذا التصريح وصف بـ"القوي" وأثار جدلا واسعا كونه يحمل لغة تحدٍ لهيمنة الدولار الأمريكي على الاقتصاد العالمي، فيما برره مراقبون بأن المقصود هو أن الجزائر تستهدف تعددية اقتصادية وليس التخلص من العملة الأمريكية.

بلد صديق

ورغم كل ما يثار عن تقارب الجزائر مع روسيا والصين، خاصة بمجال الدفاع، إلا أن الجزائر تؤكد أنها تلتزم بـ"عدم الانحياز"، وأن الخمسة الكبار في مجلس الأمن الدولي (الولايات المتحدة والصين وروسيا وفرنسا وبريطانيا) كلهم دول صديقة.

وتبني الجزائر والولايات المتحدة علاقاتهما على خلفية تاريخية صنعتها المواقف النبيلة للرئيس جون كينيدي تجاه الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي (1954-1962) واحتفاء الأمريكيين بمؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر، والذي تحمل مدينة أمريكية اسم "القادر" نسبة إليه.

ووظف بلينكن هذه الخلفية لدى استقباله نظيره الجزائري في 9 أغسطس، إذ قال إن "العلاقة بين الجزائر والولايات المتحدة تعود إلى سنوات عديدة حتى عام 1795".

وفي مناسبات عديدة، قال تبون إن "أمريكا بلد صديق مثلما روسيا والصين بلدين صديقين"، مشددا على ثبات بلاده على الحياد التام.

واختارت الجزائر الولايات المتحدة ضيف شرف بالمعرض الدولي الاقتصادي لديها عام 2022، وعبَّر تبون لسفيرة واشنطن إليزابيث مور أوبين عن رغبة بلاده في بناء شراكة اقتصادية مع واشنطن، خاصة في الزراعة والصناعة.

حليف طبيعي

وبالنسبة لأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة كاليفورنيا الأمريكية حمود صالحي، تظل الجزائر "حليفا طبيعيا لأمريكا رغم الاختلافات الاستراتيجية العميقة بين البلدين".

وقال صالحي للأناضول إنه يلاحظ "حرصا واضحا من واشنطن على العمل مع الجزائر وبناء علاقة أمنية استراتيجية معها اعترافا بالدور القيادي الجزائري".

واستدل بتصريح سابق للسفيرة الأمريكية قالت فيه إن "الجزائر حليف طبيعي لأمريكا، وللجزائر سجل حافل بالإنجازات العملاقة في محاربة الإرهاب والجرائم".

صالحي أعرب عن اعتقاده بأن سبب الاعتراف الأمريكي بالدور الجزائري هو اتباع الجزائر "سياسة عدم الانحياز الإيجابي"، وحنكتها في استعمال "الدبلوماسية الذكية" واستثمار التطورات الدولية على غرار الأزمة الأوكرانية واستعمال حلفائها الطبيعيين، وبالأخص روسيا والصين، لتعزيز أمنها الاستراتيجي.

ولفت إلى "التوظيف الذكي لأوراقها" في العلاقة مع أوروبا والولايات المتحدة، إذ "أصبحت الجزائر من أكبر الممونين للاتحاد الأوروبي بالغاز الطبيعي، وبات من مصلحته ألا تعادي الولايات المتحدة الجزائر وألا تفرض عليها عقوبات، أي أن أوروبا أصبحت تخاف من رد الفعل الجزائري على أي تصرف أمريكي غير ودي تجاهها".

هامش تطور كبير

ومشيدا بخصوصية العلاقات بين البلدين، قال الخبير الاقتصادي صالح سليماني إن علاقاتهما تحافظ على طبيعتها "الصلبة" ولها "هامش تطور كبير" خاصة بالمجال الاقتصادي.

ولفت سليماني في حديثه للأناضول إلى أن المبادلات التجارية بين البلدين قفزت من 2 مليار دولار إلى 4 مليارات دولار في 2022، "وهو رقم مهم جدا وكبير".

وشدد على أن "الجزائر تقف على نفس المسافة مع شركائها روسيا والصين وأمريكا، وهناك براغماتية في التعامل"، وهو ما يفسر صمود العلاقات بين البلدين في مستوى جيد.

وأشار إلى أن التعاون الثنائي لا يتوقف على الأمن ومكافحة الإرهاب، "الاستثمارات الأمريكية حاضرة في قطاعات الفلاحة والصيدلة والاتصالات"، بينما ساهمت الشركات الأمريكية على مدار عقود بتطوير صناعة الطاقة بالجزائر.

وفي 10 أغسطس، قال عطاف أمام اقتصاديين أمريكيين إن التعاون بمجال الطاقة يمثل 90 بالمئة من الشراكة الاقتصادية بين البلدين، ودعاهم إلى الاستثمار في قطاعات الفلاحة والرعاية الصحية وتكنولوجيات المعلومات.

وتتحدث تقارير إعلامية محلية عن احتمال اتجاه شركتين من أهم الشركات الأمريكية في مجال النفط، وهما شيفرون وإيكسون موبيل، إلى الجزائر للتنقيب عن النفط.

وبين الجزائر والولايات المتحدة مجلس أعمال مشترك يتولى قضايا الاستثمار والشراكة، كما ترتبطان بحوار استراتيجي سنوي على مستوى وزيري الخارجية.

الأخبار المنشورة على الصفحة الرسمية لوكالة الأناضول، هي اختصار لجزء من الأخبار التي تُعرض للمشتركين عبر نظام تدفق الأخبار (HAS). من أجل الاشتراك لدى الوكالة يُرجى الاتصال بالرابط التالي.
المواضيع ذات الصلة
Bu haberi paylaşın