+ A
A -
في هذه المقالة يحاول مارك هدسون أن يلقي الضوء على متحف الفن الإسلامي في الدوحة، الذي يعتبره منارة ثقافية لكل ما يجري في الدوحة وما حولها..
عندما قرروا بناء متحف للفن الإسلامي في العاصمة القطرية الدوحة، قاموا باستدعاء المهندس المعماري الصيني- الأميركي المتقاعد «أي. إم. بي» لتصميمه، فقد اشتهر ذلك المعماري الذي يبلغ من العمر، تسعة وثمانين عاما بتصميمه للهرم الزجاجي المثير للجدل في مدخل متحف اللوفر بباريس، الذي لايزال يعتبر على نطاق واسع أكبر متحف في العالم، إضافة إلى برج تشاينا تاور بهونغ كونغ، والقسم الشرقي للمتحف الوطني للفنون في العاصمة الأميركية واشنطن، وبرج هانكونغ الزجاجي ببوسطن.
وقد تم تصميم متحف الفن الإسلامي لكي يكون له تأثيره الخاص وجاذبيته، لوضع العاصمة القطرية على الخريطة بوصفها مركزاً ثقافياً عالمياً، وتوسيع المفاهيم العالمية للثقافة الإسلامية.
والآن وبعد مرور ثماني سنوات على افتتاحه، يعتبر من المؤسسات المشهود لها بأنها من المؤسسات الرائدة بالفعل، كواحد من المتاحف الكبرى في العالم.
ترتفع المياه الفيروزية على شكل أهرامات مكعبة في الخليج العربي أمام متحف الفن الإسلامي، وهذا غيض من فيض لهذا المتحف الذي يقود تظاهرة فنية ثقافية مذهلة في العاصمة الدوحة وما حولها، وهذا هو آخر ما كنت أتوقعه لهذه الدولة التي رسمنا صورة نمطية لها بأنها منطقة إسلامية متزمتة.
هذا المتحف كان من أوائل المتاحف التي أقامت معرضاً استعادياً لداميان هيرست، واشتملت معروضاته من سادلرز ويلز إلى سيدي العربي الشرقاوي وذلك عام 2013. ومهرجان الفن والإعاقة الذي اعتبر الأول من نوعه في ذلك الوقت، إضافة إلى تحف فنية من شكسبير غلوب والأكاديمية الملكية، ومجموعة كبيرة من المؤسسات البريطانية العاملة في مجال الفنون.
تلك التظاهرة التي نظمتها سعادة الشيخة المياسة بنت حمد آل ثاني، كان لها تأثيرها الكبير على المجتمع، فقد أثرت، وستؤثر على المدى الطويل على الكثير من النواحي.
وقد وصفت مجلة الإيكونوميست سعادة الشيخة المياسة بأنها «أقوى امرأة في عالم الفن»، فهي التي جعلت من قطر واجهة لتصدير الفن العالمي.
هذا المتحف يطل على كورنيش الدوحة الذي تبحر فيه المراكب والسفن الشراعية التي ظلت الظاهرة اللافتة للأنظار في الخليج العربي والمحيط الهندي لآلاف السنين، كما يطل على الأبراج الشاهقة التي سعت الدوحة من خلالها لتحويل نفسها من اقتصاد على الكربون، إلى اقتصاد قائم على المعرفة، وهو هدف طموح ومذهل، وأهم ما في هذا الأمر أن تتحول الأموال إلى قرارات غير محدودة لتضع الثقافة في مقدمة أولوياتها.
وأنا في طريقي إلى كتارا القرية الثقافية التي تم إنشاؤها بجانب البحر، مررت بشبكات من الممرات المظللة بالستائر القماشية لوقاية الناس من شمس الخليج، رأيت تظاهرة ثقافية فيها كل أقانيم الثقافة من أفلام إلى لوحات فنية إلى موسيقى أوركسترالية إلى صور فوتوغرافية لمشاهير المصورين من مختلف أنحاء العالم.
إلى جانب المجمع هناك مدرج ضخم من الرخام مفتوح على البحر يستخدم للحفلات والعروض التي تقدم عروضها على شاشات ضخمة، فتجعل من الأنشطة المقامة عليها نوعاً من الخيال.
تقول مديرة الفنون بالمركز: «كل شيء هنا يتعلق ببناء جمهور للفن وتطوير فناني المستقبل، في هذا المتحف نضع أعمال الفنانين القطريين جنباً إلى جنب مع أسماء عالمية في عالم الفن، إضافة إلى الورش الفنية التي نقيمها لمشاهير الفنانين للاطلاع على مختلف المدارس الفنية المحية والعربية والإقليمية والعالمية، هدفنا هو ترسيخ أصول تقليدية كي تصبح عملية عضوية مستمرة».
ومع أن الكتابة على الجدران غير قانونية حفاظاً على الوجه الحضاري، إلا أن هناك ظاهرة لافتة للنظر وهي سلسلة طويلة من اللوحات التي ساهم الطلاب في إبداعها والتي استخدموا علب الرش في رسمها على طريقة الفن الغرافيتي، وهو فن قائم على الارتجال، إضافة إلى لوحات رائعة من فن الأرابيسك الإسلامي الذي يجمع أبياتاً من الشعر العربي القديم تتغنى بالصحراء وحياة البدو الرحل.
وهناك شعور عميق في قطر بأن التنمية الثقافية فيها يمكن أن تحقق التكامل من خلال محيطها في الشرق الأوسط؛ إذ يوجد في متحف الفن الحديث أكبر مجموعة من الفن العربي الحديث والمعاصر، إضافة إلى الأعمال التي قدمتها ورش العمل على مدى السنوات الماضية والتي قدمت أعمالاً مذهلة دمجت بين الأفكار التقليدية والأفكار الغربية، مما كان لها تأثيرها الكبير على الحركة الفنية.
لكن يبقى المتحف ببنيته المذهلة هو الفن الإسلامي الحقيقي الذي يستحضر مجموعة من النماذج المعمارية الإسلامية التقليدية التي لا لبس فيها، بفتحاته ومنصات الإضاءة فيه، والحلقات الكبيرة المعلقة التي تعزز فيك الشعور به كمسجد علماني، قبل أن تتمكن من خلال النوافذ العالية من رؤية الخليج مطلا على أفق ما بعد الحداثة.
أخيراً وأنت تسير في هذا المتحف، من خلال صالاته ومعروضاته المنقطعة النظير، سترى مدى تفاعل الفن الإسلامي مع الثقافات الأخرى في الصين وآسيا الوسطى وروما واليونان والهند والمغول والغرب المسيحي في إسبانيا وشمال إفريقيا، تحف فنية جرى جمعها في قطر، وتعود إلى آلاف السنين.
copy short url   نسخ
01/10/2016
8175