سحر وشعوذة في نابلس

سحر وشعوذة في نابلس

21 سبتمبر 2014
خدمات على المكشوف... (نور حميدان)
+ الخط -

الدخول إلى عالم السحر وممارسي أعمال الشعوذة واكتشاف خبايا المهنة، ليس أمراً سهلاً. والرحلة في هذا المجال تشبه المتاهة والتيه في دهاليز لا تؤدّي إلا إلى مزيد من الغموض.

ممارسو هذه المهنة بمعظمهم يرفضون التحدّث إلى وسائل الإعلام ويعتبرونها عدوّهم الأول، حتى ولو كانت أعمالهم علنيّة و"على المكشوف". وهذا ما يحدث في مدينة نابلس في الضفة الغربيّة، حيث يمتهن عدد من أبناء الطائفة السامريّة السحر ويفتحون مكاتبهم على جانَبي الطريق.

طرقت "العربي الجديد" أبواباً كثيرة. لكن البعض كان يعتذر، فيما هدّد آخرون زميلتنا المصوّرة بـالضرب عندما حاولت التقاط صورة للافتات المكاتب.

عندما طرقنا باب الكاهن، غيث كوهين، المعروف بـ"أبو عاطف"، كان يتحدّث إلى إحدى زائراته التي يقدّم لها "العلاج". رفض إطلاعنا على التفاصيل لعدم إحراج "الزبونة". لكنه، وافق على التحدّث إلينا بعد محاولات عدّة، مشترطاً علينا العودة في اليوم التالي.

يرفض أبو عاطف تصنيف الأعمال التي يمارسها بالسحر والشعوذة، زاعماً أن كل ما يقوم به هو في إطار الخير ولا يتدخّل في أمور الشرّ. ويخبر أنه يمارس "هذه المهنة منذ عشرات السنوات، وخبرتي طويلة. والكل يشهد لي بالخير".

ويوضح أن المهام التي يقوم بها هي "حلّ المشاكل وفكّ السحر والتوفيق بين الأزواج المتخاصمين". يضيف أن كل هذا يتمّ من خلال "الجلابة والجذابة". لكنه يرفض توضيح المقصود بهذا المصطلح، ويعتبره سراً من "أسرار المهنة" والطريق التي يسير فيها لإنجاح أعماله. ومن بين الأمور التي يتولّى "علاجها"، يكشف أبو عاطف عن "الكنوز الدفينة" وينجح في تخليص الناس من "المسّ والجنّ".

ويشير إلى أن قاصديه "لا يُصنَّفون في فئات محدّدة. فتجد منهم الشاب والعجوز، ومن الجنسَين على حدّ سواء". ويلفت إلى أن "بعض هؤلاء هم من حملة الشهادات العلميّة العليا، إلى جانب آخرين غير متعلمين. لكن الكلّ يأتي إلى هنا، الغنيّ والفقير".

ويكشف أبو عاطف أن سياسيّين وشخصيات مرموقة زاروا مكتبه أيضاً ولجأوا إلى خدماته، متحفظاً على ذكر أسمائهم. يضيف أن قاصديه "ليسوا فقط من فلسطين، بل ثمّة أشخاص يأتون من دول مختلفة. وثمّة من يطلب خدماتي في السعوديّة ومختلف دول الخليج وفي المغرب والأردن ومصر وغيرها". ويلفت إلى أن عدد العاملين في هذه المهنة قليل جداً، رافضاً أن يُصنّف من ضمن من يمارسون السحر والشعوذة في السرّ، ويرى أن عدداً كبيراً منهم "دجّالون". يتابع أن "السبب الرئيسي لنجاحنا يعود إلى قلّة عددنا في المناطق المختلفة وتأثيرنا بين الناس. وأنا أعتمد الدعاية والإعلان للترويج لنشاطي".

بالنسبة إلى أبو عاطف، فإن أعماله "خيريّة". وهو يرفض تحديد أجر لقاء "حلّ المشاكل"، ويترك الباب مفتوحاً أمام مراجعه لدفع "ما تجود به نفسه". ويقول: "تحديد التكاليف من الكبائر وكل ما آخذه هو ثمن ما أقوم بتحضيره. أما الأجر فهو متروك لمن يقصدني، ليدفع ما يشاء. وأنا لا أعترض على أي مبلغ، فأنا لا أقترب من الكبائر". ويلفت إلى أن الدفع يكون بعد نجاح "العمل" وليس قبله.

طلبنا من أبو عاطف التحدّث عن حالات غريبة صادفها. فراح يرفض محوّلاً الحديث صوب شهرته. لكن بعدما أصررنا على ذلك، أخبرنا عن امرأة جاءت إليه طالبة الطلاق من زوجها لتتزوّج بآخرٍ تحبّه. لكن من دون أن يوضح إذا كان قد نفّذ لها طلبها أم اعتبره من أمور "الشرّ". يرفض أبو عاطف أن نتحدّث إلى زبائنه، ومبرّره الدائم "الحفاظ على خصوصيّتهم". فكان علينا أن نبحث بأنفسنا عن أشخاص طلبوا هذا النوع من الخدمات.

كريمة (اسم مستعار) في الثلاثين من عمرها. تقول إنها قصدت أحد هذه المكاتب بهدف حلّ مشاكلها الدائمة مع زوجها، التي جعلت حياتها "جحيماً". وتخبر أنها دفعت نحو 500 دولار أميركي في تلك المكاتب، لكن من دون أن تلحظ تغيّراً حتى الآن في حياتها. فالمشاكل على حالها. وهي ما زالت تأمل بحلّ لمشكلتها، مبرّرة "أخبروني أن العمل يحتاج بعض الوقت".

ويعمل نحو خمسة سامريّين في هذه المهنة بشكل علني في شارع جامعة النجاح، من دون أن تعترض السلطات الرسميّة عملهم. أما مكاتبهم، فمرخّصة عادة كمكاتب خدمات عامة. ويوضح مدير العلاقات العامة في شرطة نابلس المقدّم رائد أبو غربية أن هذا الموضوع لا يدخل من ضمن اختصاص الشرطة. وهي تصبح قضيّة اختصاص، إذا رُفِعت شكاوى أو صدرت أوامر من النيابة العامة بهذا الشأن.

دلالات