بعد أطول إغلاق في العالم يعود التفاؤل إلى هونج كونج

بعد أطول إغلاق في العالم يعود التفاؤل إلى هونج كونج

عادت إيمي لو لتوها من رحلة عمل إلى مركز تجاري صيني في شنجن مليئة بالتفاؤل. تمتعت المصرفية الخاصة في هونج كونج بأول رحلة لها إلى البر الرئيس الصيني منذ ثلاثة أعوام، بعد أن تركت قيود كوفيد - 19 الصارمة المنطقة معزولة ودفعت اقتصادها إلى الركود.
تقول لو، التي تشارك في إدارة الثروات في آسيا والمحيط الهادئ في بنك يو بي إس، واحد من أكثر أذرع البنك السويسري ربحا: "الآن بعد أن تم فتح الحدود (...) لدي كثير من الطلبات لحضور اجتماعات".
تقول لو – وهي أيضا رئيسة فرع بنك يو بي إس في هونج كونج ولديها أكثر من 30 عاما من الخبرة في القطاع المصرفي الخاص – بصرف النظر عن السماح باستئناف رحلات العمل، فإن رفع القيود يسمح للعملاء الأثرياء من البر الرئيس الصيني، وجنوب شرق آسيا، والولايات المتحدة، وأوروبا بالعودة إلى الإقليم.
عانت هونج كونج التي اضطرت إلى اتباع نسخة من سياسات صفر كوفيد لبكين التي تنطوي على واحدة من أطول عمليات إغلاق الحدود في العالم، انكماشا اقتصاديا بنسبة 3.5 في المائة العام الماضي، حيث كافح الإقليم أخطر تفش لفيروس كوفيد.
استأنفت السفر دون الحجر الصحي مع بقية العالم في أواخر العام الماضي فقط ولم تعد فتح حدودها مع البر الرئيس الصيني حتى شباط (فبراير)، بعد تحول بكين المفاجئ بشأن قيود كوفيد.
لكن، إضافة إلى منح هونج كونج دفعة تعزيزية، فإن العودة إلى الحياة التجارية الطبيعية أعادت إحياء المنافسة مع أكبر منافس إقليمي للمدينة -سنغافورة- على صفة المركز المالي الرئيس لآسيا.
كسبت الدولة الواقعة في جنوب شرق آسيا ميزة على هونج كونج عبر إعادة فتح أبوابها للعالم قبلها بأشهر وسجلت نموا بنسبة 3.6 في المائة في ناتجها المحلي الإجمالي في 2022.
تحكي الأرقام الأخرى قصة مشابهة. فقد عاد عدد القادمين إلى مطار سنغافورة بنسبة 70 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة، بينما تجاوز عدد القادمين إلى مطار هونج كونج نصف الرقم المسجل في 2019 بقليل. هاجر كثير من أصحاب المليارات الصينيين إلى سنغافورة أثناء الجائحة وعمدت بعض البنوك الأجنبية إلى نقل موظفيها من هونج كونج إلى الدولة المدينة.
لكن عندما يتعلق الأمر بإدارة الثروات، تقول لو إن هونج كونج لا تزال تتمتع بميزة تنافسية كبيرة بسبب قربها الجغرافي من البر الرئيس الصيني – فضلا عن سوق مالية أكبر من كثير من أقرانها الإقليميين. فقد حددت مجموعة هورون البحثية التي تتتبع ثروات أغنى الأفراد في الصين، نحو 138 ألف عائلة تبلغ صافي ثروتها أكثر من 100 مليون يوان (14.5 مليون دولار) ابتداء من 2022، وذلك في تقرير صدر في وقت سابق من هذا الشهر.
تتقدم هونج كونج أيضا من حيث البورصة: حيث تبلغ القيمة السوقية لبورصة المدينة أكثر من 4.5 تريليون دولار، واستضافت 89 اكتتابا عاما أوليا العام الماضي، مقارنة بإجمالي القيمة السوقية لسنغافورة التي تبلغ نحو 650 مليار دولار مع 15 إدراجا جديدا فقط في 2022.
فيما يتعلق بالموارد المالية، فإن سنغافورة متأخرة كثيرا. فقد كان لدى هونج كونج 67 مليارديرا -أفراد تبلغ صافي ثروتهم مليار دولار على الأقل- بثروة تراكمية بلغت 383 مليار دولار العام الماضي، وفقا لتقرير أصحاب المليارات في العالم الصادر عن بنك يو بي إس الذي نشر في كانون الأول (ديسمبر). يقارن ذلك مع 26 مليارديرا في سنغافورة، بمجموع 107 مليارات دولار. وقد شهد كلاهما انخفاضا في عدد أصحاب المليارات، وفي إجمالي ثروة أصحاب المليارات، على أساس سنوي.
"كانت الأعوام القليلة الماضية صعبة" بالنسبة إلى قطاع إدارة الثروات في هونج كونج بسبب كوفيد وإغلاق الحدود، كما تعترف لو، المتزوجة من لو تشونج ماو وزير الصحة في هونج كونج، واضع سياسات كوفيد في المدينة. لكن، مع إلغاء جميع قيود السفر وإلزامية ارتداء الأقنعة لمدة 945 يوما الآن، تؤكد لو أن "هونج كونج عادت".
لو، التي بدأت حياتها المهنية المصرفية في هونج كونج في أحد البنوك الخاصة في الثمانينيات، قبل أن تعمل في إدارة الثروات في بنك يو بي إس منذ منتصف التسعينيات، شغلت كثيرا من المناصب العليا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، مثل رئيسة مكتب العائلات العالمي ورئيسة قسم الثروة الصافية العالية جدا.
تقول: "كان السؤال الذي طرحته على كل واحد من العملاء عندما عادوا إلى هنا: هل رأيت أي شيء مختلف؟ وقالوا: أوه، هونج كونج مزدحمة للغاية! لقد كانوا متفاجئين أيضا... قالوا: "واو، إن الأمور طبيعية للغاية، عادت إلى طبيعتها الآن".
كان جون لي، الذي عينته بكين رئيسا تنفيذيا لهونج كونج في تموز (يوليو) من العام الماضي، يضغط أخيرا لتقديم حوافز جديدة لإنعاش اقتصاد المدينة. إجراءات جديدة للمكاتب العائلية التي تدير أصولا تبلغ أكثر من 31 مليون دولار، بما في ذلك إعفاء من ضريبة الأرباح، إضافة إلى مخطط جديد لهجرة الاستثمارات لجذب الأفراد الأثرياء مطروح للنقاش. قدمت حملة ترويجية بعنوان "مرحبا هونج كونج" قسائم نقدية للزوار و500 ألف تذكرة طيران مجانا للمسافرين، في محاولة لإغراء السياح بالعودة.
ما زالت هونج كونج تتمتع بجاذبية، لا سيما بالنسبة إلى بعض العائلات الصينية، لأسباب تتعلق بقربها من الصين.
ثبت أن بعض تلك الحوافز فعالة. حيث استقبلت المدينة أكثر من مليون زائر في فبراير، للمرة الأولى في شهر واحد منذ 2020، رغم أن هذا لا يمثل سوى ربع مستويات ما قبل الجائحة. وفي الأسبوع الماضي، اجتذبت هونج كونج أيضا العشرات من كبار المكاتب العائلية من البر الرئيس الصيني، والشرق الأوسط، والولايات المتحدة وأوروبا في قمة "للمدعوين فقط"، كل هذا جزء من حملة حكومية لجعلهم يؤسسون مقارهم الإقليمية في المنطقة.
إنها دفعة ضرورية لمساعدة المدينة على اللحاق بالركب. كان لدى سنغافورة ما يقدر بنحو 1,500 مكتب عائلي بحلول نهاية 2022 مع عتبة حوافز ضريبية فضفاضة نسبيا لا تقل عن 7.5 مليون دولار في حجم التمويل. وتهدف هونج كونج من وراء ذلك إلى جذب "ما لا يقل عن 200 مكتب عائلي" للتوسع أو التأسيس في المدينة بحلول 2025.
تصر لو على أن هونج كونج وسنغافورة "مركزان مهمان في آسيا"، وأن النمو لا يجب أن يأتي "على حساب بعضهما بعضا". وتضيف: "ما زالت هونج كونج تتمتع بجاذبية، لا سيما بالنسبة إلى بعض العائلات الصينية، لأسباب تتعلق بالقرب".
مع إعادة فتح كلا المكانين على العالم، تقول لو "يصبح المجال متكافئا": هونج كونج هي البوابة إلى البر الرئيس الصيني، بينما تفتح سنغافورة الباب أمام فرص الاستثمار في جنوب شرق آسيا.
يشار إلى أن نحو 40 في المائة من الأصول الخاضعة للإدارة في صناعة إدارة الثروات الخاصة في هونج كونج تأتي الآن من البر الرئيس الصيني ارتفاعا من 35 في المائة عام 2019 وفقا لتقرير صادر عن شركة كيه بي إم جي وجمعية إدارة الثروات الخاصة في هونج كونج، العام الماضي. وشمل استطلاعا لـ 36 مؤسسة مالية وأكثر من 200 عميل ثري في المدينة.
يشير ذلك إلى وجود ميزة تنافسية مستقبلية على سنغافورة، حيث إن سوق البر الرئيس الصيني "أكبر فرصة نمو للصناعة"، حسب قول لو.
إلا أن لو تقر أن بعض الأفراد من أصحاب الثروات الصافية العالية أصبحوا قلقين بشأن التوترات الجيوسياسية في المنطقة. إذ شنت هونج كونج، بعد أن فرضت بكين قانون الأمن القومي الذي دفعته احتجاجات في 2019، حملة قمع على المعارضين. ويشعر المسؤولون التنفيذيون في صناعة الخدمات المالية بالذعر من أن قادة المعارضة قد سُجنوا أو فروا من المدينة، وتم اعتقال رجال أعمال مثل قطب الإعلام ومنتقد الحزب الشيوعي الصيني جيمي لاي.
لاحظت رائدة الأعمال ين وونج، في حديثها مع "فاينانشيال تايمز" قبل بضعة أشهر: "مع قانون الأمن القومي، فإنه يسبب كثيرا من القلق. لكنني لا أعتقد أن أيا منهم يتخلى عن هونج كونج". أضافت أنه من بين الأثرياء الذين تعرفهم، "قد يقوم الجميع بإنشاء قواعد ثانية، أو قد يكون لدى كل منهم خطط احتياطية".
كما أدى الاستياء حول مضيق تايوان وسط التوترات السياسية المستمرة بين الولايات المتحدة والصين إلى إيجاد حالة من عدم اليقين بشأن استقرار النظام المالي للمدينة.
في المقابل، تقدم سنغافورة بيئة أكثر استقرارا، حيث تحافظ الدولة المدينة على موقف متوارٍ عن الأنظار بشأن الوضع الجيوسياسي. وتقر لو بتلك التحديات، بما في ذلك التوترات بين الولايات المتحدة والصين، وتعترف بأنه "على المدى القصير، لن يتلاشى التقلب الجيوسياسي". لكنها تضيف: "إذا نظرت في الأمر، فهذه ليست مجرد مشكلة إقليمية. هناك أيضا الوضع في أوكرانيا، صحيح؟"
تجادل قائلة: "بالنظر إلى تاريخ هونج كونج، فقد كانت هونج كونج قادرة على الصمود. لقد مررنا بعملية تسليم المدينة من بريطانيا إلى الصين في 1997، وهناك وباء سارز، وكذلك، في الماضي، كانت هناك أنواع مشابهة من التوترات الجيوسياسية.
علاوة على ذلك، جاءت الاضطرابات المصرفية العالمية الناجمة عن انهيار بنك وادي السيليكون واستحواذ بنك يو بي إس الطارئ على بنك كريدي سويس.
في مواجهة هذه التحديات، لدى لو نصيحة رئيسة واحدة للعملاء الأثرياء: التنوع دائما حسب المنطقة الجغرافية وفئة الأصول. وتقول إن الاستثمارات البديلة، مثل صناديق التحوط والسلع، تحظى باهتمام متزايد بين المكاتب العائلية.
كما تقول لو إن الاهتمام بالأصول الافتراضية بين العملاء الأصغر سنا لن يتلاشى رغم انهيار بورصة العملات المشفرة إف تي إكس. عموما، ومع ذلك، فإن تخصيص الأصول للعملات المشفرة محدود.
في الوقت نفسه، فإن مزيدا من العملاء، لا سيما الشباب من العائلات الثرية، مهتمون بشكل متزايد بتخصيص مزيد من أموالهم لاستثمارات الحوكمة البيئية، والاجتماعية والمؤسسية والإسهام في الأعمال الخيرية، في مرحلة ما بعد كوفيد.
تقول لو إن المنافسة على المواهب تمثل تحديا آخر. فوفقا لبيانات حكومية، نمت القوى العاملة في سنغافورة بنحو 230 ألف شخص في 2022، بينما فقدت هونج كونج نحو 140 ألف عامل في العامين الماضيين، وهو نزوح جماعي للمواهب مدفوع بالجائحة وتشديد بكين لسيطرتها السياسية على المدينة.
في فرع بنك يو بي إس في هونج كونج، انتقل "عدد قليل من الزملاء" إلى دول من بينها سنغافورة أثناء الجائحة، كما تقول لو. لكن الفرع شهد زيادة صافية صغيرة في فريقه العام الماضي، بما في ذلك في إدارة الثروات. تقول لو إن البنك يقوم "بالتوظيف انتقائيا".
ووفقا للو، فإن توظيف عاملين ذوي خبرة في التمويل المستدام في المنطقة عمل شاق. وتقول: "ليس لدينا ما يكفي من المواهب في الحوكمة البيئية، والاجتماعية والمؤسسية".
ترغب لو في جذب أشخاص من مجموعة كبيرة من المواهب في أوروبا، حيث تتمتع الحوكمة البيئية، والاجتماعية والمؤسسية بتاريخ أطول بكثير، لكنها تقر بأن هذا قد يكون صعبا.
مع ذلك، فهي تعتقد أن نمو الأعمال في آسيا، بما في ذلك إدارة الثروات، سيوفر فرصا لإغراء الزملاء والموظفين الجدد من أوروبا وأماكن أخرى على المدى الطويل. وتقول: "عندما تكون التربة خصبة، يأتي الناس إلى هنا للزراعة".

الأكثر قراءة