يحيي ملايين من المسلمين الشيعة في جميع أنحاء العالم وعلى مدار عشرة أيام تنتهي، الثلاثاء، الذي يصادف يوم العاشر من محرم بالتقويم الهجري (يوم عاشوراء)، ذكرى مقتل الإمام الحسين، حفيد النبي محمد، في معركة كربلاء عام 680م على يد قوات الخليفة الأموي يزيد بن معاوية.
وارتبط يوم عاشوراء في المجتمعات الشيعية بمجموعة من الطقوس والشعائر، والتي عُرفت باسم "الشعائر الحسينية"، وعلى سبيل المثال يقوم ممثلون شيعة في عاشوراء بإقامة بعض العروض المسرحية في الشوارع والميادين العامة، وهي العروض التي تشهد تجسيدا لما وقع في مذبحة كربلاء، وما جرى فيه من قتل للحسين وأصحابه.
كما يمارس الكثير من الشيعة أيضا شعيرة "التطبير"، والتي يتم فيها إدماء مقدمةِ الرأس باستعمال سيف أو سكين، وكذا القيام بجلد الظهر بالسلاسل الحديدة المُسماة بالزنجيل، كما أن البعض يحي شعيرة المشي على الجمر، استذكارا لحرق خيام آل بيت الحسين في كربلاء.
وفي العراق، توافد هذا العام مئات آلاف الزوار من داخل البلاد وخارجها لإحياء يوم عاشوراء في مدينة كربلاء، حيث مرقد الإمام الحسين، والتي تحمل زيارتها رمزية كبرى في هذه الذكرى.
وبحسب فرانس برس، جلس بعض الزوار المتشحين بالسواد، السبت، على الأرض داخل مرقد الإمام الحسين، وسالت دموعهم تأثراً بصوت القصائد الندبية المغنّاة التي تشيد بمآثره وتستذكر واقعة مقتله، فيما افترش آخرون الأرض في الخارج تحت الشمس الحارقة، وضرب آخرون على صدورهم تعبيرا عن الحزن.
وتأتي ذكرى عاشوراء هذا العام على وقع حوادث شهدت تدنيس المصحف في السويد والدنمارك ودفعت العراق إلى طرد السفيرة السويدية، فيما قام العشرات من مناصري رجل الدين الشيعي، مقتدى الصدر، في 20 يوليو بحرق السفارة السويدية احتجاجا على ذلك.
وقال الزائر سعاد العبادي، الذي جاء من بغداد إلى كربلاء للمشاركة في مراسم عاشوراء، لفرانس برس: "في هذا اليوم نواسي النبي"، وفي الوقت نفسه "نستنكر ونشجب الفعل الذي قام به أحد المتطرفين ألا وهو تدنيس كتاب سماوي حيث أن جميع الأديان تتفق فيما بينها على احترام الكتب السماوية".
وفي بغداد، قال الشيخ طلال السعدي، الذي كان يشارك في مراسم عاشوراء، ليل الجمعة، في مرقد الإمام الكاظم، إن "هذه الأيام هي أيام الشهادة وأيام التضحية وأيام الفداء. نقول لهم مهما فعلتم نحن باقون ونحن موجودون والقرآن موجود، فافعلوا ما شئتم، لكن هذا يعز في قلوبنا".
وامتلأت شوارع كربلاء كذلك بالمواكب الخدمية التي تقدّم الطعام والماء للزوار. ويأتي ذلك وسط اجراءات أمنية وصحية اتخذتها السلطات تجنبا لحصول حوادث.
مع ذلك، قضى أربعة أشخاص، ليل الجمعة، جراء حريق وقع في سوق تجاري قرب ضريح الإمام الحسين في كربلاء، كما أعلن الدفاع المدني العراقي، الذي أضاف أن المعلومات الأولية تشير إلى أن الحرق وقع بسبب "أسطوانة غاز نتيجة أعمال الطبخ في أحد المواكب الحسينية".
كما شهدت سوريا هجوما لتنظيم "داعش" بعبوة ناسفة استهدف، الخميس، منطقة السيدة زينب في جنوب دمشق، أحد مواقع الحج الشيعية الرئيسية في سوريا. وقُتل ستة أشخاص على الأقل وأصيب أكثر من 20 آخرين بجروح إثر الهجوم.
وكانت السلطات السورية شددت خلال الأيام الأخيرة الإجراءات الأمنية في منطقة السيدة زينب عشية ذكرى عاشوراء، وهي من أهم المناسبات الدينية للشيعة.
ويشكل مقام السيدة زينب - شقيقة الإمام الحسين - الذي يضم مسجدا مصنوع من الخزف الفيروزي وقبّته الذهبية على الطراز الإيراني، موقعا هاما للزيارة لدى المسلمين الشيعة.
كما شهدت البحرين تجمعات لإحياء ذكرى عاشوراء بالعاصمة المنامة والقرى المختلفة، حيث يطهين النساء طعاما بكميات كبيرة لتوزيعها في أنحاء البلاد، بحسب رويترز.
وتتمسك المتطوعات بتقاليد تعود إلى قرون مضت يتم خلالها توفير الطعام للمآتم ويوزع المتطوعون الطعام مجانا في مواقع مختلفة بالبحرين، ومن بينها المساجد والمراكز الاجتماعية.
وشهدت بلدان مثل إيران ولبنان والكويت والهند وباكستان ودول أخرى حول العالم فعاليا ضخمة لإحياء يوم عاشوراء، وبسبب الطقوس التي تشمل أحيانا نزيف المشاركين للكثير من الدماء، تنظم البلدان حملات للتبرع بالدم في محاولة لضمان سلامة المشاركين في الفعاليات.
وتشدد الدول من الإجراءات الأمنية خلال أيام عاشوراء، خوفا من استهداف هذه التجمعات الكبيرة من قبل جماعات متطرفة.