منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي انتشرت ظاهرة الحجاب الإسلامي بصورة غير مسبوقة (أ ف ب)
منذ أواخر سبعينيات القرن الماضي انتشرت ظاهرة الحجاب الإسلامي بصورة غير مسبوقة (أ ف ب)

بقلم د. توفيق حميد/

في خلال بضعة عقود فقط، ومنذ بداية ما يسميه البعض بالصحوة الإسلامية في أواخر سبعينيات القرن الماضي، انتشرت ظاهرة الحجاب الإسلامي بصورة غير مسبوقة.

فمن مجتمعات في الستينيات لا تعرف هذا الزي لدرجة أن طالبات الأزهر الشريف في هذه الحقبة من الزمان لم يكنَّ يرتدين الحجاب، إلى ظاهرة تكاد تسيطر على مجتمعات إسلامية بأكملها في عصرنا الحالي.

وصاحَب انتشار هذه الظاهرة احتقار لغير المحجبات، ونعتهن بكلمات مهينة مثل "سافرة" و"متبرجة" و"غير ملتزمة".

وأيا كان سبب هذه الظاهرة، سواء كان رغبة في الزهد أم رعب من عذاب القبر وجحيم جهنم، أم ضغط مجتمعي لا يتسع المجال هنا لشرحه، فإنها لا شك ظاهرة تحتاج للدراسة والتحليل وأول سؤال على الجميع أن يسأله: هل الحجاب فريضة؟

نسبة التحرش بالنساء في نفس الدول الإسلامية في الخمسينيات والستينيات، أي قبل انتشار ظاهرة الحجاب كانت أقل بكثير مما نراه اليوم بعد أن تحجبت معظم النساء

​​ولمعرفة الإجابة عن هذا السؤال دعونا نضع أولا هذه الحقائق حول الحجاب ثم لنسأل أنفسنا بعدها عن فرضية الحجاب.

أولا: لو كان الحجاب فريضة دينية لماذا لم تأت كلمة حجاب بمعنى "زي" ولو لمرة واحدة في القرآن؟ فهل يعقل ألا يذكر القرآن فرضا يراه الإسلاميون أساسا للدين كله ولا يستقيم إلا به؟

اقرأ للكاتب أيضا: درجات الفهم القرآني

فالقرآن ذكر كلمة "حجاب" بمعان مختلفة لم يأت بينها "زي المرآة" ولو لمرة واحدة كما ذكرنا، وها هي جميع آيات القرآن التي ذكرت فيها كلمة "حجاب":

 "وَبَيْنَهُمَا حِجَابٌ وَعَلَى الْأَعْرَافِ رِجَالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيمَاهُمْ وَنَادَوْا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ أَن سَلَامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوهَا وَهُمْ يَطْمَعُونَ" (سورة الأعراف 46). وكلمة حجاب هنا تعني، سور يفصل بين أصحاب الجنة وأصحاب النار.

"وَقَالُوا قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِّمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ وَمِن بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ حِجَابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنَا عَامِلُونَ" (سورة فصلت 5)، وتعني كلمة حجاب هنا، حاجز فكري وعقائدي.

وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ" (سورة الأحزاب 53)، أي جدار أو ستارة من القماش.

"فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَن ذِكْرِ رَبِّي حَتَّىٰ تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ" (سورة ص 32)، أي اختفت عن الرؤية في الأفق وكان نبي الله سليمان يتكلم عن الخيول في هذه الآية.

"فَاتَّخَذَتْ مِن دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا" (سورة مريم 17)، أي أن العذراء مريم كما ورد في سورة مريم ابتعدت عن الناس في مجتمعها حتى لا يرونها وقت ولادة السيد المسيح عليه السلام.

من الملاحظ جليا في جميع آيات القرآن المذكورة والتي ذكرت كلمة "حجاب"، لم تستخدم هذه الكلمة ولو لمرة واحدة كوصف لزي المرأة

​​"وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًا" (سورة الإسراء 45)، أي حاجز إيماني يمنعهم من الإيمان بالقرآن.

"ومَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ" (سورة الشورى 51)، أي أن الله قد يوحي لعباده ولكن بدون أن يراه البشر.

ومن الملاحظ جليا في جميع آيات القرآن المذكورة والتي ذكرت كلمة "حجاب" (وهي تمثل كل ما جاء في القرآن بخصوص هذا الأمر)، لم تستخدم هذه الكلمة ولو لمرة واحدة كوصف لزي المرأة.

فهل من المنطق أو العقل أن يغفل القرآن ذكر ذلك الأمر "الهام" لو كان "الحجاب" فريضة لزي (أو رداء) المرأة كما يقولون؟

أما النقطة الثانية، فهي هل يعقل أن يكون الحديث الوحيد، الذي ينص بوضوح على شكل الحجاب الإسلامي، حديث ضعيف؟ فالحديث الذي استندت إليه معظم الجماعات الإسلامية لنشر الحجاب بين النساء في أواخر السبعينيات وفي ثمانينيات القرن الماضي هو حديث ضعيف.

فالحديث كما ورد "عن الْوَلِيدُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ خَالِد بْنِ دُرَيْكٍ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ دَخَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَيْهَا ثِيَابٌ رِقَاقٌ فَأَعْرَضَ عَنْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَقَالَ: "يَا أَسْمَاءُ إِنَّ الْمَرْأَةَ إِذَا بَلَغَتْ الْمَحِيضَ لَمْ تَصْلُحْ أَنْ يُرَى مِنْهَا إِلا هَذَا وَهَذَا، وَأَشَارَ إِلَى وَجْهِهِ وَكَفَّيْهِ" (رواه أبو داوود).

والحديث، كما ذكرت كتب علم الحديث نفسها، وكما ذكر أبو داوود نفسه هو حديث "مُرسَل" (أي ضعيف لا يصح الاستدلال به)، لأن من رواه عن عائشة مباشرة وهو خالد ابن دريك "لم يدرك عائشة" (كما ورد في مصطلح علم الحديث) أي أنه ولد بعد موتها فلم يكن ممكنا له أن يراها ويأخذ منها حديثا كما قال (أو ادعى!).

والعجيب أنه بعد أن عرف الكثيرون أن الحديث الأساسي الذي بنيت عليه ظاهرة الحجاب هو حديث ضعيف، تغير أسلوب الدعوة للحجاب إلى استخدام آية:

"يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ" (سورة الأحزاب 59). والملاحظ أن هذه الآية جعلت حتى لبس الجلباب مرتبطا بالخوف من الأذية، أي بمعنى آخر فإنه لا ضرورة حتى للبس الجلباب إن لم يكن هناك خوف من إيذاء المرأة كنتيجة لعدم لبسه.

فلو كان الجلباب أمرا دينيا كما يظن البعض لكان قد تم فرضه في جميع الأحوال، ولما تم جعله مسببا في وقت ما بسبب معين قد لا يتواجد نفس السبب في أوقات أخرى.

أما الأمر الثالث فهو أن انتشار الحجاب لم يصحبه انتشار للفضيلة كما كان البعض يظن، بل على العكس تماما فإن أعلى نسب التحرش الجنسي بالنساء في العالم هي في دول إسلامية ممن يولى شعبها اهتماما يفوق الوصف بالحجاب وارتداء المرأة للزي "الإسلامي"!

فعلى سبيل المثال وبحسب تقرير لمكتب شكاوى المجلس القومي لحقوق الإنسان عام 2012، فإن 64% من نساء مصر يتعرضن للتحرش الجنسي سواء باللفظ أو بالفعل في الشوارع والميادين العامة، وهذه النسبة جعلت مصر تحتل المرتبة الثانية على العالم بعد أفغانستان فى التحرش الجنسي.

اقرأ للكاتب أيضا: جريمة كتمان آيات القرآن

وكملحوظة واضحة للكثيرين وبخاصة الذين سافروا إلى البلدان الغربية، فإن التحرش بالنساء في الشوارع يكاد يكون منعدما في هذه البلدان (والتي لا تلبس نساؤها الحجاب!). وكملحوظة أكثر وضوحا فإن نسبة التحرش بالنساء في نفس الدول الإسلامية في الخمسينيات والستينيات، أي قبل انتشار ظاهرة الحجاب كانت أقل بكثير مما نراه اليوم بعد أن تحجبت معظم النساء!

أي نفاق وتناقض هذا ما بين رجال دين يتشدقون بالحشمة والفضيلة من ناحية، ومن ناحية أخرى يبيحون أن تقف السبايا والرقيقات شبه عاريات في شوارع الخلافة الإسلامية!

​​أما النقطة الرابعة فهي كيف يأمر الفقهاء بأن "تحتشم" المرأة في حين أنهم أنفسهم هم من أقروا أن الرقيقات (الإماء) يمشين في الشوارع والطرقات ويعرضن في أسواق النخاسة عاريات الصدور على الملأ، لأن عورة الأمة عندهم من السرة إلى الركبة فقط (طبقا للحديث الذي رواه عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا: "إذا زوج أحدكم عبده أو أمته أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته، فإن ما تحت السرة إلى الركبة عورة" سنن أبي داود وسنن الدارقطني).

فأي نفاق وتناقض هذا ما بين رجال دين يتشدقون بالحشمة والفضيلة من ناحية، ومن ناحية أخرى يبيحون أن تقف السبايا والرقيقات شبه عاريات في شوارع الخلافة الإسلامية!

ونزيد القارئ علما بأخلاقيات دعاة "حشمة المرأة" بأنه روى عن ابن عمر (رضي الله عنه!) أنه كان إذا اشترى جارية كشف عن ساقيها، ووضع يده بين ثدييها وعلى عجزها، (الراوي: نافع مولى ابن عمر المحدث: الألباني ـ المصدر: إرواء الغليل (الصفحة أو الرقم: 6/201) ـ خلاصة حكم المحدث: إسناده صحيح).

ولم أزل أذكر أحد أقوال أبى سفيان الثوري التي قرأتها (عندما كنت عضوا في الجماعة الإسلامية في كلية الطب) وهو أحد الفقهاء المعروفين وهو أن "المرأة كلها عورة صوتها وبدنها ولا يصح أن يرى منها إلا العين اليسرى"، ثم عرفت بعد ذلك أن هذا الفقيه المعروف في التاريخ الإسلامي والذي يأمر النساء بالتحجب كان يشتهي الغلمان!

فكما ورد وبإسناد عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن الْمُبَارَك، يقول: "دخل سفيان الثوري الحمام فدخل عَلَيْهِ غلام صبيح، فَقَالَ: "أخرجوه أخرجوه، فإني أرى مَعَ كل امرأة شيطانا، ومع كل غلام عشرة شياطين". 

وهذه هي أمثلة قليلة من كثيرة عن أخلاقيات "السلف الصالح" الذين أمرونا بحجاب المرأة!

أما النقطة الخامسة والأخيرة هنا فهي المنطق الشاذ للجماعات الإسلامية، وهو أننا نغطى الأشياء الثمينة ولذا فإن تغطية المرأة برهان في نظرهم على "تقدير الإسلام للمرأة"، وكأن هؤلاء نسوا أو تناسوا أننا لا نغطى الورود الجميلة وأننا في حقيقة الأمر قد نغطي ما نراه قبيحا حتى نحجبه عن أعين الناس كي لا تراه.

والآن أطرح السؤال مرة أخرى للمناقشة: هل الحجاب فريضة؟

ــــــــــــــــــــــــــــ

الآراء ووجهات النظر الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن آراء أو وجهات النظر أو السياسات الرسمية لشبكة الشرق الأوسط للإرسال (أم. بي. أن)

كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.
كرماشيفا محتجزة في روسيا منذ شهر أكتوبر الماضي.

على بعد نحو ساعة بالسيارة عن مدينة دريسدن تقع باوتسن، التي كانت تعد موطنا لمرفق سيئ السمعة في القرن الماضي، ألا وهو سجن معروف باسم المدينة نفسها. 

من عام 1933 إلى 1945، استخدم النازيون سجن "باوتسن" مقرا "للحجز الوقائي" قبل نقل المحتجزين إلى معسكرات الاعتقال. 

وفي الحقبة الممتدة من 1945 إلى 1949، احتجزت سلطات الاتحاد السوفياتي السابق المنشقين في زنزانات مكتظة مع القليل من الطعام والماء، وانتزعت منهم الاعترافات تحت التعذيب. 

وبعد عام 1949، استخدم عناصر "ستاسي"، وهو جهاز أمن الدولة في ألمانيا الشرقية سابقا، الذين دربهم جهاز الاستخبارات السوفياتية  "كي.جي.بي"، الأسلوب عينه إزاء حوالي ألفي معتقل سياسي في "باوتسن". 

هذا هو عالم الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في عصرنا الحالي، هو الذي كان عضوا في في جهاز الاستخبارات السوفييتية، حين انضم للجهاز عندما كان في الثالثة والعشرين من عمره، وقضى عدة سنوات في دريسدن.

ومنذ أيامه الأولى، وباعترافه الشخصي، كان بوتين يحلم بالعنف والسيطرة. 

واليوم تواجه، آلسو كرماشيفا، الصحفية الروسية-الأميركية التي تعمل لحساب إذاعة أوروبا الحرة الممولة من الكونغرس الأميركي، نفس المصير الذي واجه أصحاب القلم والفكر الحر في القرن الماضي خلال حقبة الاتحاد السوفياتي.

فمنذ شهر أكتوبر الماضي، تقبع كرماشيفا في زنزانة باردة وسيئة الإضاءة ومكتظة في مدينة قازان الروسية، التي تبعد نحو 800 كيلومترا شرقي موسكو. 

وتعرضت كرماشيفا للضغط من أجل انتزاع الاعترافات منها، وهو نهج كان مترسخا عند الـ"كي.جي.بي" الذي يعتبر الفكر المستقل تهديدا، والصحافة الحرة جريمة. 

سافرت كرماشيفا، وهي أم لطفلتين، الصيف الماضي إلى قازان من مسقط رأسها في براغ، لزيارة والدتها المسنة واعتقدت أنها ستكون في مأمن. 

في الثاني من يونيو الماضي، وعندما كانت في مطار قازان، استعدادا لرحلة العودة، جرى استدعاء كرماشيفا قبل خمس عشرة دقيقة من صعودها إلى الطائرة.  

اعتقلتها السلطات الروسية واتهمتها بعدم تسجيلها جواز سفرها الأميركي في روسيا، لتتم إعادتها إلى منزل والدتها وحكم عليها بغرامة تقدر بـ100 دولار تقريبا. 

وفي سبتمبر الماضي، اتهمت السلطات الروسية كرماشيفا بعدم التصريح عن نفسها بصفتها "عميلة لجهة أجنبية".  

وفي 18 أكتوبر، اقتحمت مجموعة من الملثمين المنزل واعتقلت كرماشيفا، وجرى تقييدها ومن ثم نقلها لمحتجز للاستجواب.  

وتعد النيابة العامة الروسية قضية ضدها بحجة نشرها معلومات كاذبة عن الجيش الروسي، وهو أمر ليس صحيحا. 

فخلال فترة عملها في إذاعة أوروبا الحرة محررة باللغة التتارية، دأبت كرماشيفا على إعداد تقارير عن اللغة والعرق والمجتمع المدني وحقوق الأقليات. 

وتتحدر كرماشيفا، وهي مسلمة، من قازان عاصمة جمهورية تتارستان المنضوية ضمن الاتحاد الروسي وتضم حوالي 50 في المئة من التتار ذوي الأصول التركية. 

ويسعى بوتين إلى جمع رهائن أميركيين لمبادلهم مع معتقلين روس. فخلال السنوات الماضية، اعتقلت روسيا نجمة كرة السلة الأميركية، بريتني غرينر، قبل أن يتم إطلاق سراحها مقابل إطلاق واشنطن تاجر الأسلحة الروسي، فيكتور بوت، في ديسمبر 2022. 

ولا تزال أسهم بوتين في التفاوض تشمل كرماشيفا ومراسل صحيفة وول ستريت جورنال، إيفان غيرشكوفيتش، وجندي البحرية السابق، بول ويلان.  

ولتخفيف العزلة وتمهيد الطريق للعودة إلى الوطن، لدى إيفان وبول عاملين، لا تزال كرماشيفا تكافح من أجل الحصول عليهما، أولا الحصول على الخدمات القنصلية، وثانيا اعتراف من وزارة الخارجية الأميركية بأنها  "محتجزة بشكل غير مشروع"، وهو ما سيزيد من فرص إطلاق سراحها في عملية لتبادل المعتقلين. 

ماذا يريد بوتين؟ 

إذا كان الأمر يتعلق بصفقات التبادل، فمن الواضح أن الكرملين يريد، فاديم كراسيكوف، الذي يقبع في أحد السجون الألمانية. 

كراسيكوف، الذي عمل سابقا لدى جهاز الأمن الفيدرالي الروسي، هو قاتل مأجور أقدم على اغتيال معارض شيشاني وسط برلين في أغسطس 2019، بإطلاق رصاصتين على رأسه من مسدس مزود بكاتم للصوت. 

لن يكن الأمر سهلا على الإطلاق، ولكن في الماضي كان من الممكن أن تكون الأمور أكثر وضوحا في بعض الأحيان. فعلى سبيل المثال، أراد الشيوعيون في ألمانيا الشرقية الحصول على أموال من الألمان الغربيين.  

وبحلول أواخر حقبة الشيوعية في الثمانينيات، كان نحو 85 ألف مارك ألماني غربي (حوالي 47 ألف دولار) هو ثمن شراء سجين واحد من ألمانيا الشرقية.  

زرت سجن باوتسن قبل وباء كورونا، حيث تحول اليوم إلى متحف ونصب تذكاري. 

وعندما رأيت زنزانة كانت تحتجز فيها شابة من سكان برلين الغربية دأبت على تهريب منشورات سياسية عبر الحدود لمساعدة الناشطين في ألمانيا الشرقية، أصيب بالذعر. 

وأثارت قصة، هايكه فاتيركوت، هلعي، فقد تم اعتقال الشابة البالغة من العمر عشرين عاما في ديسمبر 1976، وبعد ثمانية أشهر من الاعتقال، حُكم عليها بالسجن لمدة أربع سنوات وعشرة أشهر في باوتسن بتهمة التحريض ضد الدولة. 

كانت تلك كانت ثقافة الـ"كي.جي.بي" في ذلك الوقت. ويتعين علينا أن نعمل بجد أكبر لإنقاذ الأبرياء، وبالتأكيد المواطنين الأميركيين مثل كرماشيفا، من دولة الـ"كي.جي.بي" اليوم. 

#هذا المقال كتبه الرئيس التنفيذي المكلف بشكل مؤقت لـ"شبكة الشرق الأوسط للإرسال" (MBN) عضو المجلس الاستشاري للبث الدولي،  الرئيس السابق لإذاعة أوروبا الحرة، جيفري غدمن، في 23 يناير الماضي بمناسبة مرور 100 يوم على احتجاز روسيا لصحافية أميركية-روسية، قارن فيه بين ما جرى في تلك الفترة والتكتيكات التي باتت موسكو تتبعها في عهد بوتين.