عادي
ظهر للمرة الأولى في القرن الرابع الهجري

“خط الثلث” . . قابل للتشكيل ويمتاز بالليونة وطواعية الحروف

05:36 صباحا
قراءة 3 دقائق
الشارقة - "الخليج":
تميز الخط العربي على الدوام بميزات خاصة من الليونة وطواعية الحروف جعلته على الدوام قابلاً للتشكيل في لوحات خطية آسرة، ومن هذه الخطوط الثلث، الذي يوصف بأنه من الخطوط العربية الأصيلة، وقد ظهر لأول مرة في القرن الرابع الهجري، وهو من الخطوط المتأصلة من خط النسخ، وسمي بهذا الاسم لأنه يكتب بقلم يُقَطّ محرفاً بسُمْك ثلث قطر القلم، لأنه يحتاج إلى كتابة بحرف القلم وسمكه .
والثلث هو خط صعب من حيث قواعده وموازينه، ويمتاز بالمرونة ومتانة التركيب وبراعة التأليف، ومن مميزاته أن جملته تركب بعدّة أشكال باختلاف تركيب الحروف، ولكل خطاط طريقته في الكتابة تميّزه به عمّن سواه من الخطاطين، الذين يبدون اهتماما برسم أي حرف من حروفه، وإن أي إهمال بسيط يشوّه جمال اللوحة، وهناك مميزات أخرى للثلث تشمل الحركات الإعرابية، كما أن التشكيلات الخاصّة بخط الثلث تُكتب بقلم آخر عرضه ربع عرض القلم الأصلي، وعلى الخطاط أن يتقن كيفية توزيع هذه الحركات والتشكيلات توزيعاً فنيّاً سليماً في اللوحة .
في السياق ذاته تمتاز قاعدة الثلث بأنها ثابتة، إلا أن هناك فرقاً بسيطاً في بعض الحروف لدى المدرستين البغدادية والتركيّة، ولا بد من أستاذ ماهر يُعتمد عليه في خط الثلث للتعلم منه وتقليده واستشارته في الخط .
سمي خط الثلث بهذا الاسم لأنه يكتب بقلم يبرى رأسه بعرض يساوي ثلث عرض القلم الذي كان يكتب به الخط الجليل (وهو خط من الخطوط القديمة التي اندثرت)، ولا يعتبر الإنسان خطاطاً إلا إذا أتقن قواعده، ولخط الثلث أنواع عديدة منها: الثلث الجلي، خط الثلث المحبوك، الخط الثلثي الزخرفي، الخط الثلثي المتأثر بالرسم، خط الثلث المختزل، الخط الثلثي المتناظر، وغيرها .
مارس كثير من الخطاطين الإماراتيين والمقيمين في الدولة كتابة خط الثلث، ومنهم: الإماراتي محمد عيسى خلفان الذي يعتبره من أصعب الخطوط وأكثرها بهاء حين يجد يد فنان حاذق، أما الخطاطة ماجدة سليم فهي من الأسماء اللامعة في فن الخط العربي، لا سيما خط الثلث والنسخ، وقد حازت إجازة في هذا الخط من مركز الأبحاث للثقافة والفنون والتاريخ في تركيا أرسيكا، عام 2010 بعدما أتمت أربع سنوات كاملة في دراسة قواعده وفنون وجماليات كتابته، وتنظر سليم لفن الخط العربي باعتباره يختزن طاقة كبيرة من الإرث الحضاري العربي والإسلامي .
في الإمارات مجموعة متميزة من الخطاطين العرب الذين برعوا في هذا النوع من الخطوط، مثل محمد فاروق الحداد المعروف بلوحاته التركيبية البديعة وقدرته على رسم الصورة من خلال الثلث، ومحمد النوري الذي يمتلك خيالاً تصويرياً بارعاً في لوحات الثلث، وحاكم غنام الذي يرى أن في حروفه مرونة، تتيح للخطاط أن يصنع بالنص الذي يكتبه أشكالاً هندسية لا تحصى، وهذا ما فعله في خط أشكال بيضوية ودائرية ومربعة إلى غير ذلك، كما أنه بحسب غنام يستفيد مما يتيحه فن الزخرفة التقليدي خصوصاً "فن الحلية"، ويمارس غنام التلوين خلال كتابته لخط الثلث وهو يمتلك حساً رهيفاً في صناعة تناسق وإيقاع لوني جميل بين أجزاء اللّوحة، وهو أيضاً يغير لون الخط حسب الشكل والسطح الذي يريده للوحته .
ينظر بعض المختصين للثلث بوصفه يشكل إعجازاً ويعتبر "أبو الخطوط"، ظهرت بوادره في العصر العباسي الأول على يد إبراهيم الشجري . . وقد أخذ الأتراك فيما بعد عن بغداد فن هذا الخط ووضعوا له قواعد خاصة، وظهر من بينهم أساتذة كان آخرهم موسى عزمي، أما في مصر، فانتقل خط الثلث على يد عبد العزيز الرفاعي وبعض الخطاطين الذين وفدوا إليها لتعليم المصريين أصول هذا الفن في مدرسة تحسين الخطوط بالقاهرة، أما في العراق فظهر عباقرة، أجادوا وأرسو قواعد هذا الخط ومنهم: صالح السعدي، محمد صالح الموصلي، هاشم محمد البغدادي .
التقييمات
قم بإنشاء حسابك لتتمكن من تقييم المقالات

لاستلام اشعارات وعروض من صحيفة "الخليج"