إعلان

"لعنة الفراعنة"... أساطير وقصص واقعية و"بيزنس" بملايين الجنيهات

المصدر: النهار العربي
القاهرة - ياسر خليل
صورة تعبيرية
صورة تعبيرية
A+ A-

تجرى استعدادات مكثفة لنقل مجموعة من المومياوات الملكية، من المتحف المصري في ميدان التحرير، إلى متحف الحضارة في القاهرة، وفي غضون ذلك، شهدت مصر سلسلة متعاقبة من الحوادث التي راح ضحيتها عشرات الأشخاص، وخلفت خسائر تقدر بملايين الدولارات، وهو ما دفع قطاعات من المصريين للحديث عن "لعنة الفراعنة"، وكذلك لعنة الموتى التي يؤمن بها بعض المواطنين في المناطق الريفية، خصوصاً في الأقصر حيث اكتشفت المومياوات قبل نحو 140 عاماً.

 
 

ومن بين أشهر الحوادث التي وقعت في الأيام القليلة الماضية: تصادم قطارين في محافظة سوهاج، وهو ما أودى بحياة 19 شخصاً وإصابة 185 آخرين، وانهيار مبنى من 10 طبقات ومقتل 25 شخصاً وإصابة 24 آخرين، وجنوح السفينة العملاقة "أفرغيفن" في قناة السويس، وتكدس مئات السفن في الممر الملاحي العالمي.

 

ورغم أن نسبة كبيرة ممن يتحدثون عن لعنة الفراعنة، وعلاقتها بالحوادث الأخيرة، يتناولون الموضوع بلهجة ساخرة، إلا أن هناك عدداً غير قليل من المصريين يتعامل مع الأمر على أنه حقيقة مثبتة، وعلى جانب آخر يقع البعض ضحية عمليات نصب تكلف ملايين الجنيهات.

 

ويتداول أهل محافظة الأقصر، حيث اكتشفت المومياوات في العام 1881 قصصاً عن تلك اللعنة، وعن قدرة الموتى على التأثير وإلحاق الضرر بالأحياء.

 

الخديوي والملك

 يقول كبير الأثريين في وزارة الآثار والسياحة المصرية الدكتور مجدي شاكر الى "النهار العربي": "أنا لا أؤمن بلعنة الفراعنة، فهي أسطورة، ولكن هناك وقائع تستحق التأمل والتفكير، وحتى في الفكر الإنساني نقول ربنا يكفينا شرّهم، وأجدادنا القدماء كانوا يقومون بطقس اسمه (فتح الفم) عند تشييع أحد الموتى".

 

ويروي شاكر أن "قدماء المصريين كانوا يأتون برجل ثور، ويقفون أمام فم المتوفى ويقولون (افتح عينيك فانك الآن ترى... افتح فمك فانك الآن تتكلم) وبعدها، يأكلون من الثور المذبوح، ويقومون بتكسير الأواني التي تناولوا فيها الطعام، بجوار المقبرة، وذلك اعتقاداً منهم بأن هذا الطقس يمنع الروح من العودة، لأنها لو عادت سوف تنتقم منهم".

 

ويشير كبير الأثريين إلى أن المومياوات الملكية التي سيتم نقلها، السبت المقبل، لإحداها قصة طريفة مع ملك مصر وقت اكتشافها، وهي مومياء الملك رمسيس الثاني، ويقول: "شهد عصر الخديوى توفيق باشا، سادس أهم اكتشاف أثري في تاريخ مصر، وهو اكتشاف مقبرة رمسيس الثاني على يد عالم الآثار الفرنسى غاستون ماسبيرو".

 

ويضيف شاكر: "أمام  إصرار الخديوي على رؤية مقبرة الملك الفرعوني، تشكل وفد يضم شخصيات رفيعة وسبعة عشر وزيراً، وحضر الخديوي بنفسه من أجل فك اللفائف الكتانية عن الملك، وفي مشهد مهيب تم وضع المومياء أمامهم، ملفوفة بكتان لا يظهر منها شيء، وكتب على القماش الذي يغطى الصدر اسم رمسيس الثاني، ما يثبت يقيناً أن تلك المومياء هي لهذا الملك المصري".

 

"بدأ ماسبيرو بفك اللفائف بحذر شديد حتى لا تتعرض المومياء لأي كسر" يقول الأثري المصري، ويضيف: "وعند الوصول الى منطقة الصدر، وأثناء فك الكتان حدث ما لا يتوقعه أحد، وقد أصيب الواقفون بهلع وخوف شديدين، وعلت في المكان صرخة، ووقف الخديوي ينظر في دهشة بالغة، وتراجع العالم الفرنسي إلى الوراء فجأة، فقد ارتفعت اليد اليسرى للملك رمسيس الثاني، من دون أي مقدمات وكأنه عاد للحياة، ليعترض على تعريته بهذا الشكل أمام العامة".

 

 ويوضح شاكر أن "أحد علماء الآثار المصريين فسر هذا الحدث وقال: (إن اليد اليسرى للملك لم تكن في وضع مريح عند التحنيط ولهذا ارتفعت إلى أعلى بمجرد فك اللفائف التي كانت تضغط عليها بقوة ومن وقتها واليد مرفوعة)".

 

النصب بالخرافات

يقول المؤرخ والأثري فرانسيس أمين الى "النهار العربي": "هناك محترفون يستغلون اقتناع البعض بالخرافات، ويبيعون لهم الوهم مقابل مئات الآلاف، وربما ملايين الجنيهات، من خلال إقناعهم بأنهم سوف يساعدونهم في التغلب على لعنة الفراعنة أو حراس المقابر (من الجن)، وذلك باسخدام بعض القراءات، أو بالاستعانة بمادة لا وجود لها في الواقع، اسمها (الزئبق الأحمر)".

 

ويضيف أمين: "لعنة الفراعنة موضوع قديم... في القرن السادس عشر، تحدثوا عن شخص صعد فوق رأس أبو الهول، وسقط فمات، فأشاعوا أن لعنة أبو الهول أصابته، وكذلك قصص الموت الغامض لبعض علماء المصريات، التي عززت هذه الأسطورة، وهناك الكثير من القصص الشعبية التي أطلقت لردع من يسمون بـ(الذئاب) وهم لصوص المقابر، ورسخت في الأذهان أن من ينتهك حرمة الموتى، أو يسرق حليهم أو متاعهم، تصيبه اللعنات".

 

ويحكي المؤرخ المصري عن "شخص كانت لديه كمية من الجنيهات المرسوم عليها جملان، فأشاع انه يشتري الجنيه بمئة ألف جنيه مصري، وبالفعل اشترى جنيها أمام الناس بهذا المبلغ (شراء وهمياً)، وحين سألوه عن السبب فقال لهم انه يساعده على التغلب على الأسحار التي تحمي كنوز الفراعنة، ومن ثم يستطيع أن يستخرجها من دون أن يتعرض للعنتهم، فبدأ الناس يسعون لشراء هذه الجنيهات بأسعار عالية، على أمل بيعها بمئة ألف جنيه، وفجأة اختفى الرجل".

 

ويؤكد أمين أن "القصص المتداولة حول لعنة الفراعنة هي قصص وهمية، وبدأ رواجها في العصر الحديث بعد نشر كاتب يدعى فيليب فاندنبرغ كتاباً يحمل هذا الاسم، وترجمه (الكاتب الصحافي المصري) أنيس منصور، وإن لم يذكر هذا، فانتشرت القصص، وشاعت الاسطورة على نطاق واسع بين الناس. لكن كل تلك القصص ينفيها الواقع الذي يثبت أن هناك العديد من علماء المصريات الذين عاشوا لأعمار متقدمة (بمقاييس عصرهم)، ومنهم هاورد كارتر، مكتشف مقبرة توت عنخ آمون، والذي قام بالعديد من الاكتشافات في مصر، وتوفي عن عمر يناهز 67 عاماً، وهناك علماء آخرون تجاوز عمرهم 100 عامل، وحفلت حياتهم بالاكتشافات الفرعونية".

 

لعنة الموتى

يعيش المرشد السياحي محمد همام، في مدينة الأقصر حيث اكتشفت المومياوات الملكية التي أثارت الجدل، أخيراً، وفي هذه المدينة تنشط علميات التنقياب، وربما يوجد عدد كبير من المواطنين، خصوصاً من الأجيال الأكبر عمراً، تؤمن بـ"لعنة الفراعنة"، وما يسمى "الرصدة" أو حراس قبور الفراعنة وكنوزهم، وكذلك يؤمنون بـ"لعنة الموتى".

 

ويقول همام الى "النهار العربي": "الأجيال الجديدة لا تؤمن مطلقاً بتلك الأساطير التي يؤمن بها بعض من هم أكبر سناً، وتتجاوز أعمارهم 50 عاماً، لأن الأجيال الجديدة تتصل بالإنترنت، وتستمد ثقافتها من مصادرة مغايرة لما يستقي منه الأقدمون معلوماتهم ومعارفهم".

 

ويؤكد المرشد السياحي أن "الموروثات الشعبية تلعب دوراً مهماً في إشاعة هذه الأساطير، ليس فقط عن الفراعنة، ولكن عن لعنة الموتى بشكل عام، خصوصاً أن هناك قصصاً معاصرة دعمت هذه الحكايات".

 

ويحكي همام أن "أحد رؤساء مدينة الأقصر، فكر قبل 25 عاماً، في نقل مقابر المسلمين، وحين حاول العمال نقل تلك المقابر من مكانها الواقع على النيل مباشرة، إلى الصحراء، أصيب بالجنون، وتم تغييره في أول حركة للمحافظين، وبقيت المقابر كما هي حتى يومنا هذا، وقد أرجع أهل المدينة ما أصابه إلى (لعنة الموتى)".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار العربي الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم