«ديزني» ولغة المال في منافسة مع الذاكرة

«سندريلا».. نسخة حديثة باهـــتة

الفيلم لم يتجاوز الحكاية الأصلية كثيراً التي تتحدث عن «إيلا» التي تحوّل اسمها إلى «سندريلا». أرشيفية

الحكايات وحدها القادرة على تقريب الأجيال إلى بعضها بعضاً، من خلال سردها حكايات لها علاقة بالتاريخ، بالنضال، بالأمثال.. وحتى بالخيال، وعلى ما يبدو فشركة ديزني تريد أن يكون لها دور في ربط الأجيال، من خلال إعادة تقديم أعمالها الكلاسيكية بشكل يتواكب مع لغة العصر السينمائية.. لكن السؤال الملحّ هو هل نجحت في تحقيق هذا الهدف؟ وهل استطاعت الشركة بالفعل أن تقدم الصورة الحديثة بشكل يحترم ما علق بذاكرة أجيال؟
كل هذا من الممكن اختصاره والإجابة عنه، من خلال مشاهدة النسخة الحديثة لفيلم «سندريلا»، الذي عرض للمرة الأولى عالمياً في الدورة الـ65 من مهرجان برلين السينمائي، والذي من خلاله تثبت شركات الإنتاج أن التحدي مشروع بين لغة المال والذاكرة.
فيلم «سندريلا» من إخراج كينيث براناه، وبطولة ليلي جيمس، وكيت بلانشيت، إضافة إلى ريتشارد مادن وهيلينا بونام كارتر وستيلان سكارسجارد وهايلي أتويل.
الفيلم لم يتجاوز الحكاية الأصلية كثيراً، التي تتحدث عن «ايلا» التي تحول اسمها إلى «سندريلا» وتعني فتاة الرماد، بسبب المعاملة القاسية من زوجة أبيها وابنتيها بعد وفاة والدها، لكن الجديد في الفيلم يتمثل في المشهد الأول الذي تظهر فيه «ايلا» طفلة تنعم بدلال والديها، وهنا يرى المشاهد عائلة سندريلا قبيل تدهور حالتها؛ وتحولها إلى خادمة في منزلها، المشاهد الأولى كانت مليئة بالفرح والحب، خصوصاً في العلاقة بين الأب والأم مع ابنتهما التي كانت كل حياتهما، تنقلب الموازين عندما تصاب الأم بمرض يقرّبها من الموت، وقبل ذلك توصي ابنتها بأن تكون «شجاعة وطيبة»، هذه الوصية هي التي تجعل سندريلا صابرة على كل الويلات التي ستلقاها لاحقاً.
تكبر الفتاة في حضن والدها، وتصبح شابة جميلة، فيستأذنها والدها الذي يعمل بالتجارة ويسافر كثيراً، أن يتزوج من أرملة لديها ابنتان ستكونان شقيقتين لها، تبارك «ايلا» الخطوة، وتستعد لاستقبال عائلتها الجديدة على أمل أن تضفي حياة على منزلهم الذي بات ساكناً.
من الممكن القول إن هذا الجزء من الحكاية هو الأكثر إثارة في مجريات الأحداث في عالم سندريلا؛ لأنه جديد على المتلقي، فالغالبية لم ترَ أم سندريلا، وشاهدتها في هذا الفيلم الذي اعتمد بشكل كبير على الصورة الخلابة مع أداء باهت لمعظم الشخصيات؛ باستثناء كيت بلانشيت التي أدت دور زوجة الأم القاسية بحرفية عالية.
من المعروف أن أول نسخة لـ«سندريلا» أنتجت عام 1914، وقامت ماري بيكفورد بدور البطولة، ومع ذلك ظل الناس يتناولون هذا الفيلم كحجر أساس انطلقت منه سندريلا إلى عالم إنتاج الأفلام عنها، ومع أن القصة قد تتنافى مع الأفكار النسوية الحديثة التي تقف ضد استعباد المرأة، إلا أن المتلقي دائماً وأبداً يحتاج إلى فسحة من الخيال، ليعيش في عالم أكبر مشكلاته تتعلق بمعاملة زوجة أب لفتاة.
نعم؛ ظهرت سندريلا بملامح بريئة، خجولة، بسيطة، ومعتمدة على ما ورثته من جمال من والدتها المتوفاة، وعلى سلوكيات قامت بتطويرها بناء على وصية والدتها أيضاً، ينقلب تسلسل الأحداث مرة أخرى بعد وفاة والد سندريلا، إذ كانت زوجة الأب ومنذ لحظة سفر زوجها قد اتخذت قرارات لإبعاد سندريلا من الواجهة؛ ونقلتها إلى «العلية» في المنزل. ويزداد التسلط على الفتاة بعد فقدان والدها، وتحول زوجة الأب «ايلا» اللطيفة والبريئة والمحبة إلى خادمة، وتقرر بناء على رغبة ابنتيها تغيير اسمها أيضاً إلى «سندريلا».
خلال تلك الصور، يعايش المشاهد لحظات قريبة مما عايشه مع نسخ كثيرة لسندريلا، كرتونية كانت أو درامية: شكل الشقيقتين، صفاتهما، طريقة أزيائهما، أمل أمهما في أن يحظيا بزوجين ينتشلوهن من الديون، طريق تعامل زوجة الأب مع سندريلا، الطلبات التي لا تنتهي، الاحتقار، وتفاصيل يعرفها المشاهد تماماً.
يوجد إذاً ثلاثة انقلابات في حياة سندريلا: الأول عند وفاة الأم، والثاني عند وفاة الأب ورضوخها لأن تصبح خادمة في منزلها، والثالث عندما التقت الأمير «كيت»، هذا اللقاء في ظروف تقنية متطورة وحديثة، كان من الممكن أن يكون أفضل بكثير مما تم تقديمه، فالغابة المليئة بالمساحات الشاسعة، والطبيعة الخلابة لم تكن سوى خلفية لمشهد لقاء بدائي، حيث الكاميرا تدور معهما دون أي عنصر جذب، وكان هذا المشهد من أضعف المشاهد تقنية في الفيلم.
تبدو سندريلا غير مدركة أنها قابلت الأمير، لكنها موقنة أنها قابلت الرجل الذي تحب، في المقابل، يقف الأمير أمام والده الملك الذي يحتضر ويريد الاطمئنان على ابنه قبيل وفاته من خلال تزويجه، يقنعه بأن تضم حفلة اختيار العروس المرتقبة دعوة إلى عامة الشعب، والهدف الباطني لهذه الدعوة هو اللقاء بفتاة الغابة كما لقبها.
كان من الممكن أن تكون ليلي جيمس، التي أدت دور سندريلا، مؤثرة في الفيلم أكثر، لكن على ما يبدو أن وقوفها بمواجهة كيت بلانشيت التي أدت دور زوجة الأب لم يكن لصالحها، فكان الضعف في التأثير في المتلقي غير متوازن، مع أنها تحمل جانب الخير الذي ينتصر دائماً، وهذا التصنيف لا يقتصر فقط على جيمس، بل على معظم الممثلين في الفيلم.
تنتقل أحداث الفيلم إلى منحى آخر له علاقة بالحب هذه المرة، فجميع من في البلدة وصلته دعوة الملك للحفل الذي سيختار فيه الأمير عروسه، تفرح سندريلا كثيراً، لأنها تريد حضور الحفل؛ ليس لمقابلة الأمير بل لمقابلة «كيت» الرجل الذي التقته في الغابة؛ وهي لا تدرك أنه الأمير فعلاً، في هذا الوقت يزداد كره زوجة الأب لسندريلا، وترفض أن تخيط لها فستاناً كابنتيها، بينما تقوم سندريلا بإعادة خياطة لثوب أمها الراحلة؛ معتقدة أن ذلك سيجعل زوجة الأب ترضى اصطحابها، ويحدث العكس، إذ تمزق زوجة الأب فستان سندريلا؛ آمرة إياها بملازمة المنزل.
يأتي بعد ذلك المشهد العالق في ذهن معظم محبي سندريلا، مشهد الجنية الظريفة والحيوانات الصديقة، وكيف يتحدون لنصرة سندريلا أمام ظلم وجبروت زوجة الأب، لكن للأسف هذا المشهد أيضاً لم يكن على قدر التوقعات، بل كان الأشد ضعفاً أمام جميع مشاهد الجنية والحيوانات التي ظهرت في معظم أفلام سندريلا، فقد مر بهدوء ودون صخب ودون تأثير، وحس الفكاهة فيه لم يكن موجوداً.
رشح الفيلم للأوسكار ليس بسبب إتقان الممثلين، أو حبكة السيناريو، بل ربما بسبب الديكورات والأزياء وطريقة عرض الشخصيات، إذ لم يكن الإخراج على قدر كل هذه المساحات اللونية المتسقة مع الطبيعة، ولم تكن إدارة الممثلين فيه لافتة، إذ تبهر المشاهد الألوان والماكياج والأزياء، كأنك أمام عرض للأزياء على منصة سينمائية.
تعيش سندريلا لحظات السعادة الكاملة مع أميرها، أمام عامة الشعب، ويعيش معها المشاهد لأنه يعرف القصة لحظة الهروب مع دقات منتصف الليل، وفردة حذائها، وزوال السحر رويداً رويداً، كل تلك المشاهد التي غلبت الأزياء على تفاصيلها، ذهبت بلا طائل، فلم يكن للإبهار العاطفي المرجو وجود، ولم توظف عناصر الحكاية بشكلها الذي علق بالذاكرة، خصوصاً في ما يتعلق بالحيوانات «أصدقاء» سندريلا، إذ كان لها دور فاعل في القصة، وهنا كانت ضيوف شرف لا أكثر.
بعد ذلك، يأتي دور الأمير بعد أن أخذ مباركة والده في أن يتبع قلبه، ويقرر البحث عن سندريلا، من خلال فردة حذائها، ومن الأشياء الجديدة التي طرأت على الرواية أيضاً الصفقة التي حاولت زوجة الأب التي اكتشف سر السندريلا (بعد أن وجدت فردة الحذاء في غرفتها) أن تبرمها معها، فقد أكدت لها أنها ستبارك زواجها من الأمير مقابل أن تترك أمور حكم البلاد لها، من خلال توظيفها في القصر، وتزويج بناتها إلى رجال من كبار البلدة.
لكن هنا فقط قررت سندريلا أن تقف في وجه زوجة الأب: «كنت ضعيفة جداً لدرجة أنني لم أحافظ على بيتي، وسمحت لك بالسيطرة عليه وتحويلي إلى خادمة فيه، لكني لن أسمح لك بأن تسيطري على البلاد من خلالي، لأنها أغلى من أن يمسها أي شر». هنا تدرك زوجة الأب الخطر المحدق بها، وتقرر حبس سندريلا، في الوقت الذي يجوب فيه الأمير متخفياً مع جنوده البلدة، للبحث عن صاحبة الحذاء الزجاجي. الطيبة والشجاعة، الوصية التي حملتها سندريلا طوال حياتها من أمها، وجدت طريقها أخيراً، فقد التقت الأمير مرة أخرى، على الرغم من محاولات زوجة الأب عرقلة اللقاء، لكن كعادة أفلام الخيال انتصر الخير على الشر، وتزوج الأمير بسندريلا، وهربت زوجة الأب مع ابنتيها خارج البلدة، وقيل إن المملكة لم تشهد عدلاً كما شهدته في عهد الحبيبين «كيت وسندريلا»؛
طريقة تجسيد مشهد النهاية كانت واقعية شبه الطريقة الرسمية لزواج الملوك، تماماً مثل زواج حفل الأمير وليام وكيت ميدلتون، وتلك الشرفة التي أطلا من خلالها على عامة الشعب، والقبلة الملكية التي يجب أن يشهد عليها الجميع، ومن الواضح أن تناول المشهد بهذه الصورة هو التقريب بين الخيال والواقع.

للإطلاع على الموضوع كاملا يرجى الضغط على هذا الرابط.
 

تويتر