تخطي إلى المحتوى الرئيسي
مصر

هل يزيد مقتل الشيعة المصريين تأزم الوضع السياسي في البلاد؟

ما كان ينقص الاضطراب الحاصل على الساحة السياسية المصرية وحالة الاستقطاب الشديدة التي تسود الشارع المصري في هذه الآونة إلا هذا الحادث الأخير الذي طفا فجأة على السطح، حادث مقتل أربعة مصريين شيعة في إحدى قرى محافظة الجيزة –زاوية أبو مسلم– على أيدي سكان القرية ذات الأغلبية السنية.

إعلان

حادثة القتل والاعتداء على أفراد ينتمون للمذهب الشيعي هي الأولى من نوعها في بلد تجتاحه من حين لآخر حوادث عنف طائفية بين المسلمين والمسيحيين – الذين يشكلون تقريبا 10 بالمئة من السكان البالغ تعدادهم 85 مليونا. وهو أمر مقلق لعدد كبير من متابعي الشأن المصري وخوفهم من انزلاق البلاد في هاوية عنف لا قرار لها يضرب في جميع جنباتها دون تمييز. فالأمن في البلاد في حال انحدار سريع منذ اندلاع ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011 والشرطة تكاد تكون غائبة وينحصر وجودها في الأحياء الراقية من المدن الكبيرة، والسلطة السياسية والتنفيذية في صراع لا يتوقف مع بقية أجنحة السلطة وخاصة القضائية منها.

  ومنذ الصعود المدوي لأحزاب التيار الديني الإسلامي في الانتخابات التشريعية التي جرت نهاية 2011 وفوز مرشح تيار ديني كبير – الإخوان المسلمون – بمنصب رئيس الجمهورية في يونيو/حزيران 2012، بدأ عدد كبير من المعارضين في إلقاء اللوم عليهم واتهامهم بالمسؤولية عن انتشار الخطاب التحريضي والدعوة للكراهية بحق عدد كبير من أبناء الأديان والمذاهب الدينية الأخرى – المسيحيون والبهائيون والشيعة – بحجة مخالفتهم للإسلام والمذهب السني منه تحديدا.

 

فقد دأب قادة وأنصار التيار الإسلامي على مهاجمة الشيعة لفظيا والتعدي عليهم ووصفهم بأقذر وأفظع الألفاظ ونشطوا كثيرا في نشر الكتب والكراسات التي تثبت كفر الشيعة وخروجهم عن ملة الإسلام ولم يكتفوا بذلك بل قاموا بنشر عدد من الملصقات في الشوارع تحض الناس على كره الشيعة.

آخر هذه الخطابات التحريضية خرج في إستاد القاهرة على لسان شيخ سلفي (محمد عبد المقصود) وأمام الرئيس المصري محمد مرسي في مؤتمر مناصر للثورة السورية يوم 15 يونيو/حزيران الجاري حينما طالب بقطع العلاقات مع الشيعة ودولتهم ممثلة في إيران ووصفهم "بالأنجاس" ولم يحرك الرئيس مرسي ساكنا أو ينبس بكلمة اعتراضا على هذا الخطاب.

  جمال عيد، رئيس الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان يلقي باللوم بوضوح على محمد مرسي رئيس الجمهورية ويعتبر أنه الحلقة الأخيرة في سلسلة من المسؤولين عما حدث في الجيزة وأنه بصمته شجع الآخرين على التطاول بسهولة على المخالفين والمعارضين. وندد عيد بالتواطؤ الأمني في الحادث وهو الأمر الذي أثبته تقرير بعثة تقصي الحقائق التي أرسلتها الشبكة إلى مكان الحادث

وأوضح جمال عيد بأن الخطاب التحريضي السلفي ضد الشيعة يحمل كما هائلا من المغالطات التي يخدع بها البسطاء من الشعب المصري الذين لا يعلمون شيئا عن الخلافات المذهبية في الإسلام ، فبحسب عيد أن معظم من شاركوا في الهجوم على الشيعة قاموا بذلك لمنعهم من إقامة حفلات زواج متعة جماعية وسبهم للصحابة وأمهات المؤمنين وهي أفكار زرعها في عقولهم أئمة المساجد في قريتهم وهي لا تختلف كثيرا عما يروجه السلفيون في كل مكان.

 أعداد الشيعة المصريين غير معروفة بدقة نظرا لعدم وجود إحصاء سكاني على أساس مذهبي إلا أن تقرير "الحرية الدينية في العالم"، الصادر عن وزارة الخارجية الأمريكية عام 2006، يذكر أن المسلمين الشيعة أقل من واحد بالمئة من عدد السكان، بينما يقول محمد الدريني، أحد أبرز الشخصيات الشيعية في مصر، ورئيس "المجلس الأعلى لرعاية آل البيت"، أن عدد الشيعة في مصر يبلغ مليون ونصف مليون، بينما تقدرهم المصادر غير الرسمية بعدة آلاف فقط. كما وتوجد في مصر عدة مقامات وأضرحة لآل بيت الرسول محمد، تشرف عليها وتديرها الدولة، وهي إن كانت مقدسة لدى الشيعة، فإنها تعد مزارات للمصريين أجمعهم، مثل ضريح الحسين بن علي قرب الجامع الأزهر، وضريح السيدة زينب بنت علي (لها مقام أيضا جنوبي دمشق)، وضريح السيدة سكينة بنت الحسين، وضريح السيدة نفيسة بنت الحسن، ومقام الإمام علي زين العابدين بن الحسين،  وغيرها من المقامات والأضرحة.

ورغم أن الأزهر – أكبر مؤسسة دينية إسلامية سنية يعترف بالمذهب الشيعي الاثنى عشري كأحد مذاهب المسلمين المعتبرة [فتوى شيخ الأزهر محمود شلتوت العام 1959] بيد أن التيارات الدينية السلفية الوهابية المدعومة من بعض دول الخليج تواصل حملاتها ضد الشيعة وتصفهم بالكفر والخروج عن الإسلام.

ردود الأفعال على ما حدث للشيعة في مصر اجتاحت الدول ذات الغالبية الشيعية كالعراق وإيران وندد بها أيضا حزب الله الشيعي في لبنان، عن هذه الردود وتحديدا في إيران تحدثنا مع أمير موسوي مدير مركز الدراسات الإستراتيجية في طهران، والذي أكد أن الشارع الإيراني أبدى غضبه من هذا الحادث كما أن الموقف الرسمي كان منددا بقوة بهذه الأحداث التي وصفها بأنها "لا تمت بصلة للإسلام وتخالف تعاليمه", ورغم أن بيان وزارة الخارجية الإيرانية حمل المسؤولية المباشرة لأطراف لم يسمها بأنها "تسعى لإضعاف وضرب استقرار" مصر "بافتعال الأزمات بين الطوائف" إلا أنه لم يلق بالمسؤولية غير المباشرة على الحكومة المصرية مع أن إيران هي حامية حمى المذهب الشيعي في العالم، ويبرر موسوي ذلك بأن الحكومة الإيرانية لا تبني سياستها على أسس مذهبية وهي ترى الآن أن الحكومة المصرية في وضع لا تحسد عليه من الاهتزاز والضعف ولا تريد تحميلها أكثر مما تطيق فهي رغم كل شيء تريد وتنشد قوة مصر.

وفي إجابته عن سؤال حول ما إذا كانت العلاقات ستتضرر بين البلدين بسبب هذا الحادث، قال موسوي بأنه لا يعتقد ذلك بشرط أن تبذل الحكومة المصرية مساعي جدية في معاقبة مرتكبي هذا الحادث وهذه الجريمة التي وصفها "باللا إنسانية".

لكن موسوي حمل على الرئيس محمد مرسي – التابع للإخوان المسلمين – وقال إنه بمحاولته إرضاء التيارات السلفية التكفيرية قد يدخل البلاد في دوامة عنف طائفي مذهبي وإنه لن يحظى رغم ذلك بما يريده من الدعم وتحسين الصورة لأن قطاعا عريضا من المصريين سيقف بوجهه وفي النهاية سيكون الجميع خاسرين ولن يخرج من هذا الوضع رابحا إلا إسرائيل والتكفيريون.

جمال عيد يرى ذات الرأي وأن هناك ابتزازا يمارسه المتشددون السلفيون على الإخوان المسلمين حتى يبقوا بجانبهم وأن هذا الموقف المتخاذل من الإخوان [كان قيادي حزب "الحرية والعدالة" الإخواني بقرية نزلة أبو مسلم أحد المحرضين على الشيعة] في التعامل مع قضايا العنف ضد الطوائف هو ما شجع المتطرفين على الإقدام على ما فعلوه لعلمهم بأنه لا أحد سيحاسبهم، وأضاف عيد بأنه تم رصد 12 حالة تنفيذ لحد الحرابة قبل ذلك أسفرت عن مصرع سبعة أشخاص ولم تحرك الدولة ساكنا لعقاب الفعلة. ولم يبد عيد تفاؤله باتخاذ أية إجراءات رادعة ضد المحرضين على هذه الجريمة حتى لو تم القبض على القتلة.

يذكر أن السلطات المصرية قد أوقفت في وقت سابق ثمانية أشخاص مشتبه بتورطهم في مقتل الشيعة الأربعة.

 حسين عمارة

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

مشاركة :
الصفحة غير متوفرة

المحتوى الذي تريدون تصفحه لم يعد في الخدمة أو غير متوفر حاليا.