أسرار أشهر قصور القلعة الحصينة

«الجوهرة» ضد الحرائق/ «الأبلق» معلق بين الأرض والسماء/ «الحريم» حررته الحكومة من قبضة الاحتلال

استكمالا لرحلتنا داخل قلعة صلاح الدين الأيوبى أحد أهم معالم القاهرة السياحية التى تلقى إقبالاً كثيفاً، خاصة السائحين العرب وطلاب الرحلات المدرسية إلى جانب الزيارات الفردية من الأسر التى تفضل اصطحاب أبنائها للتعرف على تاريخ مصر فى العصور الوسطى.. "الإذاعة والتليفزيون" زارت أشهر 3 قصور ضمتها أسوار القلعة الحصينة، وهى قصور "الجوهرة" و"الأبلق" و"الحريم"، ومن خلال جولتنا نستعرض البنية الجمالية فى معمار كل قصر على حدة، كما نستعرض أهم الأحداث التى شهدتها تلك القصور، فضلاً عن الأحداث التى صاحبت تشييدها بالتفصيل..

"الجوهرة".. والإمبراطورة أوجينى

قصر الجوهرة هو قصر للضيافة فى منطقة القلعة، ويضم الهدايا التى تم إهداؤها لأسرة محمد على باشا حتى عهد الملك فاروق، ويضم أيضاً مقتنيات وأثريات خاصة بمحمد على باشا، وشيد هذا القصر القيم عام ١٨١٤م، وتعرض لحريق مدمر، لكن أعيد افتتاحه عام ١٩٨٣م؛ يقع قصر "الجوهرة" فى الطرف الجنوبى الغربى للساحة الملكية أو الحوش السلطانى، وكان موضعه أبنية قديمة أيضا ترجع إلى العصر المملوكى، وقد ذكر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتى فى كتابه "عجائب الآثار" أن الشروع فـــى بنــاء هـــذا القصــر كــان فى سنة 1227 هـ / 1812م، أما الانتهاء منه فقد تم على مراحل، حيث اختلفت التواريخ الموقعة على النصوص التأسيسية للقصر، فاللوحة الموجودة على باب الدخول مؤرخة بسنة 1228 هـ / 1813م، ونصها "يا مفتح الأبواب افتح لنا خير الباب سنة 1228 هـ"، بينما جاء فى لوحة أخرى تقع على الباب المؤدى إلى بهو الاستقبال الرئيسى تاريخ سنة 1229هـ / 13 – 1814م ونصها "الله ولى التوفيق سنة 1229 هـ".

ولقد تعرض هذا القصر أكثر من مرة للحريق فى حياة محمد على باشا نفسه، وأعيد بناءه، فقد احترق فى المرة الأولى سنة 1235 هـ / 1819م بسبب احتراق الجبخانة أو مصنع البارود الذى يقع خلفه فقد ذكر المؤرخ عبد الرحمن الجبرتى أن سرايا القلعة أو قصر الجوهرة قد احترق وظل يومين مشتعلا كما احترق أيضا ناحية ديوان الكتخدا وغيره من العمائر، أما المرة الثانية فكانت سنة 1239 هـ / 1823م وكانت بسبب جبخانة القلعة أيضا الذى أثر للمرة الثانية على مبانى القلعة وعمائرها مما جعل محمد على باشا يرسل إلى والى سلانيك ليستدعى عمالا وحجارين لإصلاح ما تهدم بالقلعة، وقد استخدم فى بناء هذا القصر مهندسين كانوا أجانب وعمالا كانوا ما بين روم وأتراك وبلغاريين وأرناؤط.

يتكون قصر "الجوهرة" من عدة كتل رئيسية تتكون من طابقين تبدأ بالمدخل الرئيسى الذى يقع أمامه مظلة محمولة على أعمدة رخامية، وعلى يسار هذا المدخل أبنية كثيرة تعلوها أبنية أخرى تسودها البساطة تتصل بديوان الكتخدا أو سراى العدل التى أنشأها محمد على باشا، وبنهاية المدخل بالناحية الشمالية الشرقية حجرة مستطيلة لها سلم مزدوج يوصل إلى الميدان، وكان هذا الجناح مخصصا لموظفى القصر أو من كانوا يعرفون باسم "ديوان الخاصة"، كما يؤدى ممر الدخول أيضا إلى مبان خصصت لنوبة الحراسة وأسوار الساحة الجنوبية للقلعة وإلى الفناء الرئيسى الذى تطل عليه وحدات ديوان القصر وسقيفة بهو الاستقبال الرئيسى، أما الوحدات التى خصصت للسكن فتتكون من جناح الاستقبال الرئيسى أو ما كان يعرف باسم ”الكوشك” وكان مخصصا لاستقبالات محمد على باشا والإيوان الملحق به وقاعتين فرعيتين، بالإضافة لقاعة عرض الفرمانات أو العرش، وهى أكبر حجرة بالقصر وتشرف على ميدان القلعة حاليا وكان يرى منها القاهرة وأهرامات الجيزة فى أروع منظر، كما أننا نصل من خلال بهو الاستقبال عن طريق سلم إلى الجناح البحرى بقسميه والحديقة الخلفية التى عرفت باسم حديقة الأسود، كما زود القصر أيضا بعدة قاعات منها قاعة الألبستر، وهو نوع من أنواع الرخام، وقاعة الساعات، بالإضافة إلى الحمام الذى عرف باسم حمام الألبستر.

أما الطابق الثانى فيعلو جناحا الاستقبال، ونلاحظ أنه تلتف وحداته حول الفناء الرئيسى ويؤدى إلى سراى الضيافة، وقد استخدم فى زخرفة جدران وأسقف هذا القصر نقوش وزخارف مذهبة قوامها أشكال نباتية وزهريات ورسوم ستائر نفذت على طراز عرف باسم طراز الباروك والروكوكو الذى يتميز بالوحدات الزخرفية المتكررة والمناظر الطبيعية، كما امتاز هذا القصر بأنه كان يحتوى على رسوم وحدات الأسطول، وفى هذا القصر استقبل محمد على باشا كبار الزائرين من الأجانب، واستمر مقرا للاستقبالات الرسمية حتى عصر الخديو إسماعيل باشا الذى استقبل به السلطان عبد العزيز خان الذى زار مصر فى 4 شوال سنة 1279هـ/1862 وأقام به لمدة سبعة أيام، وقد احترق قصر الجوهرة عام 1972 حيث قامت هيئة الآثار المصرية –المجلس الأعلى للآثار – بوضع خطة لإعادة القصر إلى ما كان عليه سواء من الناحية المعمارية أو الفنية بما يحتويه من نقوش وزخارف وأثاث وتحف لافتتاحه كمتحف يعرض بعضا من تاريخ أسرة محمد على باشا، ونفذت خطة الترميم على مرحلتين تم فيها تجديد وترميم الأجزاء الصالحة للزيارة مع إضافة عدة قاعات بالمبنى الملاصق للقصر من الجهة الشرقية التى كانت تستخدم للضيافة فى عصر محمد على باشا، وهذا الجناح كان مغلقا منذ عام 1952م بعد قيام ثورة يوليو حتى عام 1983م، مع إعادة الواجهة الرئيسية التى تطل على جامع محمد على باشا، وانتهت هذه الترميمات فى يوليو عام 1983م، كما رمم الحمام الملحق بالقصر، وتمت معالجة بناء القصر معماريا، كما تم ترميم الرسومات التالفة ورسوم ونقوش الجدران، وقد تم إضافة قاعات جديدة للعرض، هى قاعة الديوراما وقاعة كسوة الكعبة الشريفة وبها تعرض أجزاء من كسوة الكعبة الشريفة التى كانت ترسل إلى مكة المكرمة وتصنع فى مشغل القلعة وبما يسمى عرض للمحمل، كما أضيفت أيضا قاعة الكوشة، وفيها كوشة زفاف الملك فاروق الأول على الملكة فريدة، كما خصص متحف القصر لعرض التحف الزجاجية من فازات وتحف معدنية من ساعات أثرية نادرة ونرجليات وشمعدانات، كما ألحق أيضا بالقصر كرسى العرش الذى كان يجلس عليه محمد على باشا، وألحق بهذا القصر أيضاً حجرة نوم الإمبراطورة أوجينى زوجة نابليون الثالث التى زارت مصر فى عهد الخديو إسماعيل عند افتتاح قناة السويس، كما يعرض متحف القصر أيضا لوحات زيتية نادرة لأسرة محمد على باشا.

 تحفة "ابن قلاوون" المعمارية

يعتبر القصر الأبلق فى القاهرة من أفخر القصور المملوكيَّة، وهو مقر سلطنة المماليك بمصر، كما يعد واحدا من روائع عمارة المماليك، بناه السلطان الناصر محمد بن قلاوون محاكيا به قصر الأبلق فى دمشق، فجاء روعة فى البناء والزخرفة، وقد انتهى من بنائه سنة (714هـ-1314م)، وهو الآن ضمن أبنية قلعة الجبل فى المكان المحصور بين مسجد محمد على وقصر الجوهرة.

وذكر ابن خلدون فى تاريخه أن الناصر محمد بن قلاوون بنى عمائر كثيرة منها القصر الأبلق بالقاهرة، فقال: "ثم أمر سنة أربع عشرة (714هـ) ببناء القصر الأبلق من قصور الملك، فجاء من أفخر المصانع الملوكيَّة"، بينما ذكر "ابن تغرى بردى" أن الناصر محمد بن قلاوون بدأ فى بناء القصر الأبلق سنة (713هـ-1313م) وانتهى منه فى رجب من العام نفسه، فقال: "وكان السلطان قد بدأ فى أوَّل هذه السنة بعمارة القصر الأبلق على الاسطبل السلطانى، ففرغ فى سابع عشر شهر رجب، وقال إنه يُحاكى به قصر الملك الظاهر بيبرس البندقدارى الذى بظاهر دمشق، واستدعى له صنَّاع دمشق وصنَّاع مصر، حتى اكتمل وأنشئ بجانبه جنينة، وقد ذهبت تلك الجنينة كما ذهب غيرها من المحاسن".

كان القصر الأبلق قائما فى الجهة الغربية من قلعة الجبل، حيث المكان الواقع على يمين الداخل من البوابة الوسطى للقلعة على الساحة التى بها جامع محمد على، وقد حرص الناصر بن قلاوون على أن يجعله من أعظم أبنية زمنه، فجمع له أمهر الصناع فى البناء والزخرفة، وكانت واجهته مكونة من أشرطة عرضية متوازية من الأحجار ذات اللونين الأسود والأصفر على التوالى‏.‏

ويتكون من ثلاثة مستويات: المستوى العلوى المكشوف، ويمكن رؤيته إذا وقفنا عند سور القلعة أمام مسجد محمد على فى الجهة الغربية ونظرنا الى أسفل المنطقة‏،‏ ويتم الوصول إليه عن طريق سلم، وينقسم هذا المستوى إلى جزءين مختلفين فى المنسوب، بينهما سور، ويوجد انهيار فى جزء من أرضية هذا المستوى، كما توجد بعض الحوائط المبنية حديثا‏، أمّا المستوى الأوسط للقصر فنصل إليه عبر سلم حلزونى مثل آخر مدخلين للقصر، أما المستوى الثالث فيوجد بجوار قصر الجوهرة، ويقع معظمه أسفل مسجد محمد على.‏

تجاه بوابة قصر الأبلق رحبة يسلك إليها من الرحبة التى تجاه الإيوان، فيجلس بالرحبة التى على باب القصر خواص الأمراء قبل دخولهم إلى خدمة القصر، ويمشى من باب القصر فى دهاليز مفروشة بالرخام، قد فرش فوقه أنواع البسط إلى قصر عظيم البناء شاهق فى الهواء، بإيوانين أعظمهما الشمالى، يطل منه على الاسطبلات السلطانية، ويمتد النظر إلى سوق الخيل والقاهرة وظواهرها إلى نحو النيل وما يليه من بلاد الجيزة وقراها، وفى الإيوان الثانى القبلى باب خاص لخروج السلطان وخواصه منه إلى الإيوان الكبير أيام الموكب، ويدخل من هذا القصر إلى ثلاثة قصور جوانية، منها واحد مساو لأرض هذا القصر، واثنان يصعد إليهما بدرج، فى جميعها شبابيك حديد تشرف على مثل منظرة القصر الكبير.

وفى هذه القصر مجارى للماء مرفوعة من النيل بدواليب تديرها الأبقار، حتى ينتهى الماء إلى القلعة ويدخل إلى القصور السلطانية وإلى دور الأمراء الخواص  المجاورين للسلطان، فيجرى الماء فى دورهم، وتدور به حماماتهم، وهو من عجائب الأعمال لرفعته من الأرض إلى السماء قريبًا من خمسمائة ذراع من مكان إلى مكان، ويدخل من هذه القصور إلى دور الحريم، وهذه القصور جميعها من ظاهرها مبنية بالحجر الأسود والحجر الأصفر، مزينة من داخلها بالرخام والفصوص المذهبة المشجرة بالصدف والمعجون وأنواع الملونات، وسقوفها كلها مذهبة و اللازورد، والنور يخترق فى جدرانها بطاقات من الزجاج القبرصى الملون كقطع الجواهر المؤلفة فى العقود، وجميع الأراضى قد فرشت بالرخام المنقول إليها من أقطار الأرض مما لا يوجد مثله، وتشرف الدور السلطانية من بعضها على بساتين وأشجار وساحات للحيوانات البديعة والأبقار والأغنام والطيور.

يذكر أنه بدأ مشروع ترميم القصر الأبلق وتنميته منذ عام 2003م فى إطار خطة لإنقاذه وتنمية منطقة القلعة‏، لكن اتضح أن عمليه ترميمه تكاد تكون مستحيلة لأنها ستؤثر بالسلب على مسجد محمد على المجاور له.

 "قصر الحريم" أو "المتحف الحربى"

يقع هذا القصر داخل قلعة صلاح الدين الأيوبى بالطرف الشمالى الغربى، وقد أمر بإنشائه "محمد علي" باشا فى سنة 1242 هـ 1826م، كما ورد بلوحة النص التأسيسى المثبت على المدخل الرئيسى للجناح الشرقى، وكان مخصصاً كمقر لسكن الوالى محمد على باشا وأسرته وحريمه، وقد ظل يستخدم كقصر حتى مجىء الاحتلال البريطانى إلى مصر سنة 1298 هـ 1882 م فتحول القصر إلى مقر للحاكم العسكرى للجيش البريطانى ثم استخدم كمستشفى لقوات الاحتلال البريطانى إلى أن استردته الحكومة المصرية فى عهد الملك فاروق الأول سنة 1946م، ورفع العلم المصرى فوقه، وقد خضع القصر منذ ذلك التاريخ للجنة حفظ الآثار العربية ثم تولته وزارة الحربية وأعدته ليكون متحفا حربياً يحكى تاريخ الجيش المصرى على مر العصور، وتم افتتاح المتحف  سنة 1949م، وقامت شركة المقاولون العرب بترميم وتطوير القصر وكذلك التدعيم الإنشائى للأسقف وعزلها وحمايتها ضد خطر الأمطار.

فى العدد القادم أبراج مراقبة القلعة.

Katen Doe

عايدة محسب

محرر بالموقع الموحد للهيئة الوطنية للإعلام

أخبار ذات صلة

المزيد من تحقيقات

بمناسبة مرور 1084 عامًا على تأسيسه «2» «الأزهر».. من الثورة على «نابليون» إ

جنود نابليون اقتحموا الأزهر بخيولهم فثار المصريون وهاجموهم بالرماح والحجارة / «محمد على» همش الأزهر بالبعثات الخارجية.. وتطويره كمؤسسة تعليمية...

ما مصير رئيس حكومة إسرائيل بعد انتهاء حرب غزة

خبيران سياسيان يجيبان عن هذا السؤال:

أمانة المرأة بحزب مستقبل وطن تنظم مجموعات مجانية للمراجعة النهائيةللإعدادية

قالت داليا الحو، مدير التعليم الخاص بإدارة عابدين التعليمية وأمين المرأة في حزب مستقبل وطن أمانة عابدين، ان أمانة المرأة...

العالم خصص يومًا للاحتفال به ورد اعتباره ..«الحمار».. المفترى عليه

لم يلق حيوان فى التاريخ من الغبن، وعدم التقدير، على الرغم من تحمله، وصبره، بل وتحمله للمشاق فى أصعب الظروف،...