عصام الشوالي.. همسة محب!

تحديثات مباشرة
Off
2023-09-15 13:41
التونسي عصام الشوالي أحد أبرز معلقي شبكة "بي إن سبورتس" القطرية (X-Chaouali1970)
محمد العولقي
كاتب رأي
Source
المصدر
winwin
+ الخط -

بادئ ذي بدء لا تظنوا أن بيني وبين المعلق التونسي الشهير عصام الشوالي خلافًا شخصيًا؛ لسبب بسيط يتعلق بأن الشوالي لا يعرفني وجهًا لوجه، مثلما أني لا أعرفه إلا من خلال حنجرة صوته.

وبمناسبة حنجرة الصوت هذه، لا أدري حقيقة كيف يحافظ الشوالي على حبال صوته المشدودة دائمًا بنغمة صوتية لا تخفض وتيرتها، هل يحافظ على طراوة حباله الصوتية ولياقة حنجرته مستعينًا بالعسل اليمني مثلًا؟

وعفوًا عزيزي عصام الشوالي ليس في الأمر ثمة حسد أو غيرة أو من الأمور الأخرى غير البريئة التي تدور في رأسك الآن، يمكنك التعامل مع تساؤلي -و إن بدا لك لئيمًا- على أنه غبطة في حق معلق عشقنا تعليقه شبابًا، وأصبح لنا تحفظات كثيرة على مساره وقد دخلنا سن الكهولة.

أحمدُ الله كثيرًا أنني عاصرت منحنى تطور التعليق الرياضي العربي منذ أن دخلت مصطلحات المغاربة إلى بيوتنا في كأس العالم بالمكسيك عام 1986، وقد كانت تلك المصطلحات في ذلك الوقت غريبة كليًا على مسامع المشارقة.

لطالما تلقى المعلق الفلسطيني الراحل أكرم صالح الثناء دائمًا، لأنه كان ينتمي لمدرسة ربان التعليق العربي للراحل محمد لطيف، ولطالما سار على هذا النهج معلقون آخرون على غرار مؤيد البدري وخالد الحربان ويوسف سيف ومحمد سعيد سالم وعلي حميد، كان مربط الفرس أن هؤلاء المعلقين محايدون لا يدخلون في مناوشات جدلية مع المشاهدين والمستمعين، ويضعون مشاعرهم دائمًا على محمل الجد.

وإذا كان تلاميذ أكرم صالح وموسى بشوتي قد حافظوا على نهج المدرسة الواقعية التي تنقل كل ما يدور في الملعب بأمانة شديدة وبدرجة صوتية تنسجم مع حرارة المباريات، إلا أن الجيل الذي تلاهم خرج عن منظومة الوقار، وأدخل بعض معلقيه أنفسهم في دوامة من الانفعالات الفارغة التي لا تراعي أهمية الحياد ومشاعر الجماهير الرياضية.

مهلًا، ليس كلهم، فهناك المعلق القدير أيمن جادة الذي سار بمنحى جديد في وصفه للمباريات بلغة رفيعة المستوى، استطاع من خلالها تقديم نفسه على أنه رائد مدرسة جديدة تقوم على اعتناق طبقة صوتية تراعي حرارة المباريات.

ومرة أخرى لست في وارد الانشغال عن قضية التعليق الرياضي ببعض الأسماء التي يدور حولها جدل ولغط جماهيري هذه الأيام، غير أن المعلق عصام الشوالي دفعني لتسجيل موقف قد لا ينسجم مع قناعات غيري.

والأصل أن عصام الشوالي يتخلى غالبًا عن وقار المعلق الذي "يفهمها وهي طائرة"، فيقحم نفسه في مقارنات غير مستساغة تستفز مشاعر الجماهير التي تؤمن بأن المعلق مثل قاضي المحكمة، يجب أن يلتزم الحيادية، مع الابتعاد عن شر الآراء الشخصية الجدلية مع فاصل من الغناء.

ولست أدري هل من (كاريزما) التعليق الحديث أن تضبط الكاميرات الرقمية الحديثة العزيز عصام الشوالي وهو يقفز في الهواء ويلوح بقبضته بحركة مسرحية ردًا على هدف أعجمي ليس عربيًا تم تسجيله في مونديال قطر؟

ولست أدري ما الحكمة من تقديم فاصل من الانفعالات غير المفهومة في حركة مفتعلة لا يمكن تعليقها على شماعة أن الشوالي هنا يحاول تقليد معلقي قارة أمريكا الجنوبية الذين يحتفلون بالهدف صراخًا حتى مطلع الفجر.

وبصراحة يا عصام الشوالي وبلغة واضحة لن تعدم حيلة في ترجمتها، ثم التعامل معها على أنها تستنزف الكثير من رصيد شعبيتك، لا يمكنك تبرير انحيازك على أنه انحياز عفوي نتاج لحظة، بدليل أنك ما تكاد تخرج من حفرة التعصب للاعب، حتى تسقط مجددًا في (دحديرة) الميول لذاك المنتخب أو الفريق.

أدري يا عصام الشوالي أن الاتهامات من حولك كثيرة هذه الأيام، وهذا شيء طبيعي بالنظر إلى حكمة أن إرضاء الناس غاية لا تدرك؛ لكن مهلًا، بقليل من مراجعة الذات ستكتشف أنك كمعلق ناقل للحدث حسب طبيعة ما يدور أمامك تسقط غالبًا في فخ التعصب؛ حيث "غلطة الشاطر" تساوي عشر درجات أو أكثر عند المشاهد شديد الحساسية.

أعترف أن بدايات عصام الشوالي كانت بداية مغرية لنا نحن محبوه وعشاقه، ليس لأنه يحقن المفردات العربية ببعض الكلمات الفرانكفونية بطريقة جميلة فحسب؛ لكن لأنه كان يضعنا وجهًا لوجه أمام مدرسة تعليق جديدة لم نكن نعرفها إلا من خلال معلقي قارة أمريكا الجنوبية.

وكما قلت سابقًا ربما كان أسلوب عصام الشوالي ورتمه العالي الذي لا ينخفض -حيث تتساوى درجة صوته ونغمة تعليقه، فلا تفرق حنجرته بين مباراة بين البرازيل والأرجنتين، ولا بين بوركينا فاسو وجزر القمر، وهذه الطبيعة المستنسخة ذات الحرارة الصوتية العالية جعلتنا كبارًا ننفر ونبتعد باحثين عن معلق واقعي جديد لا يهوّل ولا يهوّن.

إذا كان بعض المهمومين بالتعليق الرياضي يبحثون عن منزلة وسط في التعليق على المباريات، فإن البعض الآخر يلوم عصام الشوالي كثيرا لأنه لم يجدد نفسه، و لم يضع خط رجوع، حين يتناول قناعاته الخاصة على الهواء على أنها مسلمات، فيخلق كثيرًا من القيل والقال حول نزاهته ومصداقيته.

قد أكون جاحدًا لو بخست حقوق عصام الشوالي كمعلق جاء من أقصى شمال أفريقيا بأسلوب صاخب جديد، كان وقتها ثورة في هذا المجال الذي يحتاج إلى كياسة وثقافة واسعة ولغة سليمة، غير أن المؤسف في حكاية الشوالي أنه صار أسيرًا لتقاليد معلقي أمريكا الجنوبية، وقاضيًا يصدر أحكامًا ملغومة دون الوضع في الاعتبار طبيعة الجمهور العربي.

ولأن هذه المدرسة المزعجة أساسها الصخب والضجيج، فإن الهدف الذي يسجله لاعب في الماركانا يصل صدى صوت التعليق عليه إلى قارة أوروبا، وهذا النمط لا ينسجم تمامًا مع طبيعة الجمهور العربي من مغاربة ومشارقة، والشوالي سيد العارفين بهذه الحقيقة.

وحتى لا يأخذ المعلق عصام الشوالي على خاطره، ويتهم العبد لله أنه لا يرى في تألقه مع الميكرفون سوى النصف الفارغ من الكوب، أقسم أن تناولي هذا نابع من محب يتمنى من معلقنا القدير مراجعة حسابه في الفترة الأخيرة، حتى لا يجد نفسه بعد مشوار طويل مع كرسي التعليق المفخخ حيث ألقت أم قشعم رحلها.

شارك: