زاد دي زاد - الخبر مقدس والتعليق حر

ملاحظة: يمكنك استعمال الماركداون في محتوى مقالك.

شروط إرسال مقال:

– النشر في “زاد دي زاد” مجّاني
– أن يكون المقال مِلكا لصاحبه وليس منقولا.
– أن يكون بعيدا عن الشتم والقذف وتصفية الحسابات والطائفية والتحريض.
– الأولوية في النشر للمقالات غير المنشورة سابقا في مواقع أو منصات أخرى.
– الموقع ليس ملزما بنشر كل المقالات التي تصله وليس ملزما بتقديم تبرير على ذلك.

إعلام الأخيار بما يقدم في نشرة الأخبار

إعلام الأخيار بما يقدم في نشرة الأخبار ح.م

مشاهدة نشرة الأخبار على التلفزيون الحكومي عندنا، وبخاصة عندما تتزامن مع ذكرى معينة (وهو أمر يحدث كل يوم تقريبا)، هي تمرين عصيب وشاق لقدرة المرء على ضبط النفس والحفاظ على برودة الأعصاب، ومنع اليد من أن تمتد لأقرب مقذوف والرمي به صوب التلفاز... وهو تحد لا يضاهيه إلا سماع صاحب المهام وخادم الحكام، على التلفزيون نفسه، يحاول إقناعك بمنتهى الثقة، أن الإنسان يمشي على كفيه ويأكل بقدميه، ويزيد من غيظك أن تخرج إلى الشارع في الغد فتجد كثيرا من الناس يمشون فعلا على أكفهم، ويرتشفون قهوة الصباح بأقدامهم... تماما كما أكد صاحبنا بالأمس.

على كل حال… دعونا مع نشرة الأخبار…. أعلم أن كثيرا من الأصدقاء قد عزفوا عن مشاهدتها منذ عهد بعيد… غير أني أعتقد انه يتعين على احد ما أن يطلعهم على ما يحدث في “النشرة الرئيسية”، حتى وان تبين في الأخير أن شيئا لم يتغير، ولا زالت فقرات النشرة هي نفسها تقريبا منذ عهد دقيانوس…

رحم الله أعوام الصالح قوامي وزهية بن عروس ومحفوظ بلحفري… والتقارير عن زيارات سام نجوما وياسر عرفات، والاشادة الثورية بأنشطة منظمات الدرب المنير والفاراباندو مارتي…

تكون البداية بعد موسيقى الجينيريك الصاخبة بتقرير واف لاستقبالات الرئيس لسفير الجزر العذراء ومبعوث رئيس أوسيتيا الجنوبية والوزير الأول لحكومة جمهورية مرتفعات قرة باغ، والذين أعربوا لفخامته عن عظيم إعجابهم بالمعجزة التنموية الجزائرية وسياستها الخارجية الحكيمة وريادتها العالمية، ثم ينتقل المذيع إلى قراءة متأنية لبرقيات التهاني التي أرسلها السيد الرئيس باسمنا نحن إلى أصحاب الجلالة والفخامة في جمهوريات سانت فينسنت وكيريباتي وميكرونيسيا بمناسبة أعياد بلدانهم الوطنية، منوّها بالمستوى الرفيع الذي بلغته علاقات الصداقة والأخوة بيننا (أي نحن… الشعب الجزائري) مع شعوب هذه الدول الصديقة، ومعربا لهم عن عظيم تقديره لجهودهم في خدمة السلام العالمي، ومشيدا بتعاونهم المثمر من اجل دعم تقرير المصير لما تبقى من شعوب مستعمرة… ايييه… رحم الله أعوام الصالح قوامي وزهية بن عروس ومحفوظ بلحفري… والتقارير عن زيارات سام نجوما وياسر عرفات، والاشادة الثورية بأنشطة منظمات الدرب المنير والفاراباندو مارتي…
بعد هذه السياحة العالمية، تبدأ سياحة من نوع آخر… ولمدة نصف ساعة أو يزيد، يلهث المذيع المسكين، ونحن معه، في ملاحقة وزراء الجمهورية أثناء طوافهم الذي لا ينتهي بربوع الوطن وأرجائه، في زيارات “العمل والتفقد” الشهيرة، هم و”الوفد المرافق له” الذي يثير الحيرة لقدرته المذهلة على التحمل طوال سنوات طويلة من العمل… ربما وحدها الخراف المشوية تملك الجواب على هذا السؤال… لا علينا.. أما المشاهد النمطية من العهد البائد فلا زالت حاضرة: وزير يجذب الحبل لتظهر لافتة تدشين مرفق عمومي سبق تدشينه، وآخر يتصنع الإصغاء بانتباه لشروحات المهندسين بشأن مجسم لمشروع أعيد تقييمه، وثالث كادت يده تحترق بعد أن أشعل ولاعة لإيقاد موقد الطبخ في بيت ربط حديثا بشبكة الغاز الطبيعي، ورابع يعلن افتتاح أو اختتام تظاهرة ما وسط تصفيق الحشود التي سيقت للحضور بالقوة… وبين هذا وذاك، لا زالت زغرودة تلك العجوز تدوي في أرجاء البيت الجديد الذي انتقلت للسكن فيه مؤخرا، ولا زال ذلك الشيخ الذي يرتدي قشابية يدعو بالخير للرئيس ويستكثر خير الحكومة لأنها “منحته” ما يبني به مسكنا ريفيا، ولا زالت تلك الطفلة الصغيرة الجميلة تحمل نفس المقص على نفس الوسادة المطرزة كي يتناوله الوزير ويقطع به شريط التدشين، ثم يلفه حول المقص لفتين أو ثلاث ويطبع قبلة على جبين الفتاة … يا للمسكينة، يبدو انها لن تكبر أبدا..

لمدة نصف ساعة أو يزيد، يلهث المذيع المسكين، ونحن معه، في ملاحقة وزراء الجمهورية أثناء طوافهم الذي لا ينتهي بربوع الوطن وأرجائه، في زيارات “العمل والتفقد” الشهيرة، هم و”الوفد المرافق له” الذي يثير الحيرة لقدرته المذهلة على التحمل طوال سنوات طويلة من العمل… ربما وحدها الخراف المشوية تملك الجواب على هذا السؤال

ولأن “نشرة الأخبار الرئيسية” هي رسالة الأمة للعالم، لا بد من فقرة تتناول الأخبار الدولية، وهي بالمناسبة تنقسم إلى جزئين قارين: الأول منهما يسمى “الملف الصحراوي”، وفيه استعراض مسهب لاستقبالات الرئيس الصحراوي وتصريحات وزير خارجيته، وتقرير عن بيان أصدرته منظمة غير حكومية حول أوضاع اللاجئين الصحراويين، وتصريح لمواطن اسباني يدعو حكومة بلاده لدعم الجهود الدولية لعقد الاستفتاء المنتظر ووو… تعرفون باقي التفاصيل.
أما الجزء الثاني فيطلقون عليه اسم “باقي أخبارنا الدولية”، وهي تتعلق عادة بالحديث عن فيضانات في بنغلاديش وانهيارات أرضية في البرازيل وحوادث منجمية في الصين، ويعجبك في الأمر أن المذيع يعلن عنها بابتسامة عريضة وكأنه سعيد بقرب نهاية النشرة… ربما.. وفي الحالات القليلة التي تنقل فيها أخبار ما يحدث في العالم الفعلي، يستعرض معد المختصرات الدولية تصريحات لافروف بشأن الأزمة في سوريا، ونجاح بيونغ يانغ في اطلاق صاروخ عابر للقارات، وتأكيد مجلس السلم والأمن الإفريقي على قضية تجريم الفدية في حالات اختطاف الرهائن وما شابه ذلك…
بعد الجولة الدولية المختصرة يعود المذيع مبتسما مرة أخرى ليرحل بنا إلى المزارات السياحية نفسها التي تتكرر كل مرة: بني عباس، تيميمون، بوسعادة، تيكجدة والشريعة… يبدو أنهم لم يكتشفوا مواقع جديدة منذ الاستقلال. ويحرص معد التقرير كما جرت العادة على أخذ تصريح لسائح اجنبي لم يصرف فلسا واحدا في رحلته للإشادة بما تزخر به بلادنا من إمكانيات سياحية تضاهي أفضل الوجهات في العالم.
وأخيرا وليس آخرا، يأتي ذلك التقرير التقليدي حول المنافسات الرياضية العسكرية، وكيف أن العقيد فلان قد أعطى إشارة انطلاق المنافسة التي جرت في ظروف ميزها التنظيم المحكم، والتنافس النزيه، وانتصر فيها فريق الناحية العسكرية الفلانية، من دون ذكر أي أسماء أو ألقاب كما هو العرف القديم.
ربما هناك أمر واحد تغير منذ أن أقسمتم بالطلاق على مشاهدة الأخبار في التلفزيزن الحكومي…. أمر يسركم حتما… لقد اختفت تلك العبارة القاتلة التي طالما أفسدت سهرة عشاق الكرة أمسيات الأربعاء، كان المساكين ينتظرون بشغف حفيظ دراجي ومباريات رابطة الابطال الاروبية، ليعلن لهم مذيع النشرة بابتسامة خبيثة قبل نهاية النشرة: نلتقي بعد الجينيريك… طبعا كان ذلك بعد أفريل 1999…

ads-300-250

المقالات المنشورة في هذا الركن لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع.

كن أوّل من يتفاعل

تعليقات القراء تعبر عن رأيهم فقط، ولا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع أو خطه التحريري.

فضلا.. الرجاء احترام الآداب العامة في الحوار وعدم الخروج عن موضوع النقاش.. شكرا.